للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمَعنَى يَقول: لا شَكَّ ولا ارْتياب أن الذي تَدْعونني إليه ليس له دَعْوة.

وقوله: {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (ما) مَربوطة بـ (أن)، والظاهِر وحسب القواعِد المَعروفة أن تكون مَفصولة، لأن المَعنَى: لا جَرَمَ أن الذي تَدْعونني إليه، وإذا كانت (ما) مَوْصولة فإنها تُفصَل عن (أن) كِتابة، لكن رَسْم المصحَف تَمشَّى فيه العُلَماء على الرَّسْم العُثمانيِّ؛ احتِرامًا للقُرآن أن يُغيَّر؛ ولهذا تَجِدون الصلاة في المُصحَف مَكتوبة بالواو، والزكاة بالواو، والرِّبا بالواو، {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦] بالتاء المَفتوحة، كلُّ هذا اتِّباعًا للرَّسْم العُثمانيِّ؛ احتِرامًا لكِتاب الله أن يَدخُله التَّغيير.

وقدِ اختَلَف العُلَماء: هل يُكتَب القرآن حَسب القَواعِد وفي كل وَقْت بحَسبه، أو على الرسم العُثمانيِّ؛ فقيل: إنه يَجوز أن يُكتَب على القَواعِد في كل وَقْت بحَسبه؛ لأن المَقصود أن يُتلَى كتاب الله على حَسب ما نزَل لا على حَسب ما كُتِب، والقُرآن نزَل مَقروءًا؛ إِذَنِ الكِتابة ما هي إلَّا اصطِلاحات تَخضَع لأعراف الناس.

والقول الثاني: إنه لا يَجوز أن يُغيَّر أبدًا؛ سَدًّا للباب، ومَنْعًا للتغيير؛ حتى لا يَجرُؤ أحَد أن يُغيِّر في كتاب الله عز وجل، وهذا لا شَكَّ أنه يَرمِي إلى قُوَّة احتِرامنا للقُرآن الكريم، والأوَّل يَرمِي إلى قُوَّة إيصال القرآن إلى الناس على وَجْه لا إشكالَ فيه.

والقَول الثالِثُ: إنك إن كتَبْته للدارِسين المُبتَدِئين، فلا بأسَ أن تكتُبه حسب القَواعِد المَعروفة؛ لأن الدارِسين المُبتَدِئين لا يَعرِفونه، وأمَّا إذا كُنت تُريد أن تَكتَبه ليقرَأ فهذا يُكتَب على حَسب الرسم العُثمانيِّ.

والظاهِر أن هذا القولَ المُفصَّل أَرجَحُ الأقوال الثلاثة.

<<  <   >  >>