أن المُنافِقين لا عِزَّةَ لهم أصلًا؛ لأنه لو قال: الله أَعزُّ. لأَثبَت للمُنافِقين عِزَّة، ولكنه ليس لهم عِزَّة، حصَر العِزَّة لله ورسوله والمُؤمِنين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وهذه من بَلاغة القُرآن، وإذا تَأمَّلت القُرآن -سُبْحانَ الله- تَبيَّن لك أمور تَبهَرك في دَلالاته وإشاراته وإيماءاته، فسُبْحانَ الله الذي أَنزَله عز وجل.
قوله:{الْغَفَّارِ} اسمٌ من أسماء الله المُتعَدِّية؛ لأن الله قال:{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.
إِذَنْ: لا بُدَّ أن نُثبِت الغَفَّار اسما من أسماء الله، ولا بُدَّ أن نُثبِت الصِّفة وهي المَغفِرة {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد: ٦]، ونُثبِت أنه يَغفِر ويُوصِل المَغفِرة مَن شاءَ.
قوله:{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} وهو الكُفْر بالله، والإشراك به {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ}، أي: ليس له استِجابة دَعْوة {فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} ولا جرَمَ أيضًا أن مَرَدَّنا إلى الله، وأن المُسرِفين هم أَصْحاب النار.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{لَا جَرَمَ} حَقًّا]؛ يَعنِي: أن مَعنَى لا جرَمَ حَقٌّ، وعلى هذا فتكون (لا) زائِدة، و (جرَمَ) بمَعنى: حَقًّا، وهذا ما ذهَب إليه المفَسِّر، والمُعرِبون اختَلَفوا فيها، والصَّواب في إعرابها أن (لا) نافِية للجِنْس، و (جرَمَ) اسمُها، ومَعنَى (لا جَرَمَ): أي لا شَكَّ، أو لا بُدَّ، هذا هو الصواب والتَّرْكيب واضِح، ولا يَحتاج أن يُقدَّر أن (لا) زائِدة و (جرَمَ) بمَعنَى: قطع، وأن مَصير الجُملة إلى أن تَكون مَصدرًا لعامِل مَحذوف يَعنِي: أحق حقًّا أن ما تَدعونَني إليه، لا حاجةَ إلى هذا، إذا قُلْنا: لا شَكَّ أن ما تَدْعونني إليه إلى آخِره، ليس له دَعْوة في الدُّنيا ولا في الآخِرة زال الإشكال، وعلى هذا تكون (جرَمَ) اسم (لا)، وإنما دخَل في تَأْويل المَصدَر خبَر (لا)،