وهذه الدَّلالة -أَعنِي: دَلالة الِالْتِزام- يَتَفاوَت فيها الناس تَفاوُتًا كثيرًا، فمن الناس مَن يُعطيه الله تعالى فَهْمًا يُدرِك به اللَّوازِم التي تَلزَم على هذا الاسمِ، ومن الناس مَن هو دون ذلكَ، فتَجِد بعض الناس يَستَنبِط فَوائِدَ عِدَّة بدَلالة النُّزول، وآخَرُ لا يَقدِر، وفَضْل الله تعالى يُؤتِيه مَن يَشاءُ.
والعَزيز بمَعني: ذي العِزَّة {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ}[الصافات: ١٨٠]، والعِزَّة قالوا: إنها ثَلاثة أنواع: عِزَّة القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامتِناع، عِزَّة القَدْر بمَعنَى أنه سبحانه وتعالى عَزيز قَدْرًا؛ بحيث لا يَكون مِماثِل له، وعِزَّة الامتِناع يَعنِي: أنه عز وجل عَزيز، أي: يَمتَنِع أن يَنالَه السوء، والعَزيز يَأتي بمَعنَى الامتِناع في قوله تعالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)} [إبراهيم: ٢٠]؛ أي: بمُمتَنِع، والثالث: عِزَّة القَهْر بمَعنى: أنه الغالِب، ومنه قوله تعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}[المنافقون: ٨]، فقال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨] العِزَّة يَعنِي: الغلَبة، إذا كان العَزيز بمَعنَى: الغالِب فهو من الأسماء، عَزَّ أي: غلَب فهو غالِب، ومُقابِله مَغلوب، وإذا كانَتْ عَزَّ بمَعنَى: امتَنَع أو بمَعنَى: كان ذا قَدْر عَظيم فهو لازِم.
إِذَنْ نَقول: العَزيز من جِهة تكون من الأسماء المُتعَدِّية إذا كانت بمَعنَى: الغالِب، ومن جِهة أُخرى تكون غير مُتعَدِّية إذا كانَت بمَعنَى: الامتِناع أو بمَعنَى: القَدْر.
وهنا جُملة مُعتَرِضة؛ قال الله تعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} هل الجَوابُ مُطابِق لقولهم، أو غير مُطابِق؟
الجَوابُ:{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} المُطابِق أن يَقول: والله أَعزُّ، والله أَعزُّ والمُؤمِنون، لكن لم يَذكرُ هذا، بل قال:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} إشارة إلى