للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيَظُنُّ ضِعاف النُّفوس والجُهَّال أنه ما دام هذا الداعِيةُ أو هذا الشيخُ كثير التقصير، نحن إذن من بابِ أَوْلى، ثُم يُصيبهم ما يُصيبهم.

فالجوابُ: أنَّ هذه الكلِمةِ يَنبَغي للإنسان أن يَنظُر في مَصلَحتها، وإلَّا فقد قالها عُمرُ بنُ عبدِ العزيز رَحِمَهُ الله في آخِر خُطبة خطَبها، قال: إنِّي لأَقولُ لكُمْ هذا وما أَعلَمُ أحَدًا عِنده من الذُّنوب أكثَرَ مِمَّا عِندي (١). هي بالحقيقة يَعنِي قد تَكون مُشجِّعة وقد تَكون مُخَذِّلة.

قد يَقول قائِل: إذا كان هذا الرجُلُ الداعِية العابِد مُقصِّرًا فكيف بنا نحن؟ إِذَنْ فلْنُشمِّر عن ساعِد الجِدِّ. وقد تَكون -كما قُلت-: سِلاحًا ذا حَدَّيْن؛ فلْيُنظَر إلى المَصلَحة، والإنسان أحيانًا يَقول مثل هذا؛ لأنه يَخشَى على نَفْسه من العُجْب.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ كلَّ مَن أَشرَك بالله، أو أَنكَره كفَر به، فلَيْس له عِلْم في ذلك مهما كان، يُؤخَذ من قوله تعالى: {وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابعَةُ: أن الإشراك بالله كجُحود الله، وَيدُلُّ لذلك قولُ الله تعالى في الحَديث القُدسي. "أَلا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكته وَشِركهُ" (٢).

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: تَذكير هذا الرجُلِ المُؤمِن هؤلاءِ بعِزَّة الله ومَغفِرته؛ تَرغيبًا وتَرهيبًا، لقوله: {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} فالتَّرْهيب في قوله: {الْعَزِيزِ} والتَّرْغيب في قوله: {الْغَفَّارِ} واللهُ أَعلَمُ.


(١) انظر: سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم المصري (ص: ٤٣)، وتاريخ الطبري (٦/ ٥٧١)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (٤٥/ ١٧٤).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>