فنردُّ عليهم بأنَّ هذا النائِمَ يَرَى أنه مُعذَّب، وأنه مُنعَّم، وأنه ذهَبَ، وأنه جاءَ وهو على فِراشِه لم يَتغيَّر، حتى اللِّحاف ما سقَط عن ظَهْره، فنَقول: قِسِ الغائِب بالحاضِر، ثُم لو كان عذابُ القَبْر يُدرَك بالاطلاع عليه لم يَكُن إيمانًا بالغَيْب، لكان إيمانًا بالشَّهادة، والإيمان بالشَّهادة لا يَنفَع، يَعنِي: الإنسان إذا عايَن الشيء فإنَّ إيمانه به لا يَنفَع، فتَرَى الكافِرين عند حُضور الأَجَل يُؤمِنون، ولكن لا يَنفَعهم ذلك، فِرعونُ لمَّا أَدرَكه الغرَقُ قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠].
انظُرْ إلى هذا الحدِّ: اعتَرَف لله تعالى بالتَّوحيد، ثُم اعتَرَف أنه تابعٌ لبَني إسرائيلَ؛ لقوله:{آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}، ولم يَقُل: لا إلهَ إلَّا الله. إشارة إلى أنه ذُلَّ حتى صار تابِعًا لبني إسرائيلَ بعد أن كان مُتجَبِّرًا عليهم.
فإن قال قائِل: هل يَجوز تَعزِية المُسلِمين للكُفَّار؟
فالجَوابُ: العُلَماء يَقولون: لا بأسَ أن يُعزَّى الكافِر. وبعضُهم يَقول: لا يَجوز. وبعضُهم فصَّل قال: إن فعَلوا بنا ذلك فعَلْنا اعتِمادًا على قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء: ٨٦] وهذا أَقرَبُ: أنهم إن كانوا يَفعَلون بنا ذلك فعَلْنا، ولكن هل نَقول: عظَّمَ الله أَجْرك، وأَحسَن الله عَزاءَك، وغَفَر لميِّتك؟ لا نَقول هذا، نَقول: هَداك الله إلى الإسلامِ، وجَبَر مُصيبَتَك. فقَطْ، ومَيِّته لا نَقول: غفَرَ الله له. لأنه من أَهْل النار.