للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقول في أي شيء: نعَمْ. وهكذا الرُّواة ربَّما نقَلوا بالمعنَى على لُغَتهم التي يَتكلَّمون بها، فحصَل خطَأ، أمَّا القُرآن فنَعَمْ؛ لأنه مُتواتِر مَنقول بالتَّواتُر، لكن كثيرًا من عُلَماء النَّحْو يَقولون: إنه يُحتَجُّ بالأحاديث على اللُّغة العرَبية؛ لأن الأصل عدَمُ التَّغيير.

وقوله: {قَالُوا بَلَى} بلى يَعنِي: قد آشْنا، ولكِنَّهم -والعِياذُ بالله- كفَروا {قَالُوا فَادْعُوا} هذا الأَمْرُ للتَّهَكُّم؛ لأن المَلائِكة تَعلَم أنه لا يُقبَل منهم، فقوله: ادْعُوا تَهكُّم بهم، والتَّهكُّم هو الذي يُسمَّى عِندنا في العامِّيَّة "الهكَّ"، "هكَكْت عليه" يَعنِي: لعِبَت بعَقْله.

فهنا {قَالُوا فَادْعُوا} تَهكُّمًا بهم؛ لأن المَلائِكة تَعلَم أنهم لن يُجابوا {قَالُوا فَادْعُوا} أنتُمْ فإنَّا لا نَشفَع للكافِرين؛ لأن الشَّفاعة للكافِرين مَضيَعة وَقْت، إذ إن الكافِر لا تَنفَع فيه الشَّفاعة، إلَّا كافِرًا واحِدًا نفَعَت فيه الشفاعة بالتَّخفيف عنه، وهو أبو طالِبٍ نفَعت شَفاعة الرسول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فيه فقط، لو جاء أبو بَكْر أو عُمرُ يَشفَع في أبي طالب رُدَّ، لكِن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُبِلت شَفاعته في عمِّه أبي طالِب فخُفِّف عنه العَذاب (١)؛ لأن أبا طالِب حصَل منه خيرٌ كثير للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحصَل منه ما يُسمَّى بالدِّعاية العَظيمة له حتى قال:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا (٢)

هذا قاله في الدِّين. وقال في الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -:


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، رقم (٢١٠)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: تهذيب اللغة (١٠/ ١١١)، وخزانة الأدب (٢/ ٧٦)، وديوان أبي طالب (ص: ٨٧، ١٨٩).

<<  <   >  >>