للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفَسِّرين في زمانه، زمَن التابِعين.

وهو الحقُّ؛ لأنَّ الله تعالى قال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥].

فإن قال قائِل: يَرِد على هذا القولِ أنَّ في القُرآن ما ليس له مَعنًى، وليس له فائِدةٌ، وإنَّما هو حروف مُقطَّعة ليس لها فائِدة! ! .

قلنا: الجَوابُ عن هذا الإيرادِ أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكلَّم بذلك لمَغزًى لا لمَعنًى؛ أي: لحِكْمة بالِغة، وهي أنَّ هذا القُرآن الذي أَعجَزكم أيُّها البُلَغاء من العرب لم يَكُن أتَى بشَيْء جديد من حروف، بل أتَى بالحروف التي تُركِّبون منها كلامكم، ومع ذلك أَعجَزكم، فعجَزْتم عن صَفِّ الحروف حتى تَكون مثل القُرآن، فإذا كُنْتم عجَزْتم عن ذلك، فعَجْزُكم عن معنَى هذه الكلِماتِ من بابِ أَوْلى.

وهذا الذي ذكَرَه الزَّمخشريُّ (١) في تفسيره وارْتَضاه شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ (٢) رَحِمَهُ اللهُ وذكَره أيضًا إمَّا ابتِداءً أو تَقليدًا.

المُهِمُّ: أنَّ هذا هو الصوابُ عند المُحقِّقين، وهو أن الله تعالى أَنزَلها لتَمام التَّحدِّي لهؤلاء البُلَغاءِ الذين عجَزوا أن يَأتوا بمِثل القُرآن، أو بمِثل بعضه، وأَيَّدوا قولهم هذا بأن الله تعالى لم يَبتَدِئ سورة بحروف هِجائية إلَّا ذكَر بعدَها القُرآن إلَّا نادِرًا.

فإن قال قائل: ما نَقول في الحُروف المُقطَّعة هذه في أوائل السُّوَر، هل تَدخُل فيما قال ابن عبَّاسٍ (٣) أن القُرآن أربعة أقسام: القِسْم الرابع أنه ما لا يَعلَمه إلَّا الله؟


(١) الكشاف (١/ ٢٦).
(٢) انظر تفسير ابن كثير (١/ ٧١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (١/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>