للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان، فالغُراب مثَلًا أَذكَى من ابنِ آدَمَ الذي قتَلَ أَخاه؛ لأنه علَّمَه كيف يُوارِي سَوءَة أَخيه، في الحَيوانات ما هو أَذكَى من بني آدَمَ، النَّمْل هذا الذي تُشاهِدون من أذكى امحيوانات إذا كان في أيَّام ثِمار الحُبوب حَفَرَت لها جُحورًا وأَوْدَعت فيها الحُبوب، ولكِنَّها لا تُودِع الحَبَّة على ما هو عليه، بل تَأكُل رأس الحَبَّة؛ لئَلَّا تَنبُت؛ لأنها تَعرِف إذا بَقِيَت الحبَّة على ما هي عليه نَبَتَت وخَرِبت على نَفْسها فتَأكُل رأسَها حتى لا تَنبُت، فإذا قدَّر الله عَزَّ وَجَلَّ ونزَل المَطَر وخافَت أن يُعفِّن وَيفسُد أَخرَجَتْه إلى الشمس حتى يَيْبَس ويَجِفَّ، ثُم أَدخَلَتْه، وأَشياءُ تُذكَر عن بعض الحَيَوانات غَريبة.

إِذَنِ: الذَّكاء شيء والعَقْل شيء آخَرُ، وكم من ذَكيٍّ قادَه الذَّكاء إلى النار - والعِياذ بالله - وهذا شيء مُشاهَد، الذَّكاء إذا لم يَكُن مُقتَرِنًا بعَقْل وإيمان، فالغالِب أن صاحِبه يُدمَّر ويَهلِك، وكم من أُناسٍ كانوا أَذكياءَ وتَوقَّع فيهم بعض العُلَماء أن هؤلاءِ سَوْف يَنحَرِفون فصار الأَمْر كذلك.

إِذَنْ: لا يَرِد علينا أننا نَجِد من أئِمَّة الكُفْر مَن هو على جانِب كبير من الذَّكاء والدَّهاء؛ لأن الذَّكاء شيءٌ والعَقْل شيءٌ آخَرُ، قال العُلَماء: ولذلك لا يَجوز أن تَقول: إن الله عاقِلٌ؛ لأن العَقْل يَحجِز صاحِبَه عمَّا يَضُرُّه، والربُّ عَزَّ وَجَلَّ لا يُمكِن أن يَضُرَّه شيء، ولا يُمكِن أن يَنقُصه شيء.

ومِن ثَمَّ ذهَب بعض النَّحوِيِّين إلى التَّعبير بقولهم: (مَن) للعالِم و (مَا) لغير العالِم. قال: لا يُمكِن أن تَقول: للعاقِل؛ لأنها تَأتِي عائِدةً إلى الله عَزَّ وَجَلَّ فقُلْ: (مَنْ) للعالِم، و (ما) لغَيْر العالِم. وقد يُناقَش في هذه المَسأَلةِ، ولكِنِّي قُلْت لكم هذا لتَعلَموا أنه لا يَجوز أن يُوصَف الله بأنه العاقِل؛ لأن العَقْل يَحجِز صاحِبه عمَّا يَضُرُّه والله عَزَّ وَجَلَّ لا يَضُرُّه شيء.

<<  <   >  >>