وقد سبَقَ الاستِشْهاد على هذه المعانِي الثلاثة وبيان اشتِقاقها؛ فيَكون قولُ المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{الْعَزِيزِ} في مُلْكه، فيه قُصور؛ لأَنَّه جعَله بمَعنى الغالِب فقَطْ، والصواب ما ذكَرْنا لكم.
وقوله تعالى:{الْعَلِيمِ} قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [بخَلْقه] والعليم أي: ذو العِلْم، وعِلْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس بمَحدود لا أوَّلًا، ولا آخِرًا، ولا مِقدارًا، فعِلْم الله تعالى واسِعٌ شامِلٌ لكل شيءٍ، عِلْم الله تعالى أزَليٌّ؛ أي: لم يَسبِقْه جَهْل، عِلْم الله تعالى أبدَي؛ أي: لا يَلحَقه نِسْيان، فصار عِلْم الله تعالى واسِعًا شامِلًا زمَنًا وكيفًا، زمَنًا أي: في المُستَقبَل وفي الماضي، وكيفًا أي: أنَّه شامِل لكُلِّ ما من شأنه أن يُعلَم.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{غَافِرِ الذَّنْبِ} للمُؤمِنين {وَقَابِلِ التَّوْبِ} لهم {شَدِيدِ الْعِقَابِ} للكافِرين]، قوله:{غَافِرِ الذَّنْبِ} الغَفْر هو السَّتْر مع الوِقاية، ومنه المِغفَر: ما يُوضَع على الرأس عند الحَرْب؛ لاتِّقاء السِّهام، ومعلومٌ أنَّ المِغفَر ساتِر، فهو جامِع بين السَّتْر والوِقاية، والذَّنْب: المعصية، يُقال: أَذنَب الرجُل. إذا عصى، ومَعنَى غافِر الذَّنْب؛ أي: ساتِره المُتجاوِز عنه.
وقول المفَسِّر:[للمُؤمِنين] فيه نظَر واضِح؛ لأنَّ مَغفِرة الذَّنْب شامِل للمُؤمِنين وغير المُؤمِنين، قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨]، فهو غافِر الذَّنْب لكلِّ مَن تاب إلى الله وسأَل المَغفِرة.
وقوله:{وَقَابِلِ التَّوْبِ} قابِلُه: مَعناها: أن مَن تاب إلى الله قَبِلَ الله تَوبَتَه، و {التَّوْبِ} بمعنى: الرُّجوع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ من مَعصيته إلى طاعته.