للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخرَجه مُسلِم: "لَوْلَا أَنْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ الله وَيَغْفِرُ لهُمْ" (١).

وعلى هذا فنَقولُ للمُؤلِّف: عفا الله عَنْك؛ حيث ادَّعَيْت ما ليس بصَحيح إذا كان الله يَقول للرسول - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ١ - ٢] كيف نَقول: إنه أَمَره بالاستِغْفار من أَجْل أن يُستَنَّ به، لا من أَجْل أن له ذَنْبًا والله يَقول صراحةً: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ويَقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩]؟ !

ليس له ذَنْب، لكن استَغفِرْ؛ ليُسْتَنَّ به، كيف يَقول: الله عَزَّ وَجلَّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١ - ٢] {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غفَرَ الله لكَ ذلكَ، كيف يَقول الله عَزَّ وَجلَّ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: ٤٣]؟ !

كل هذا يَدُلُّ على أن مِثْل هذه الأُمورِ تَقَع على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، لكن لا شَكَّ أن ما يُخِلُّ بالأَخْلاق أو يُخِلُّ بالرِّسالة لا يُمكِن أن يَقَع منه، هذا شيء مَعلوم، لا يُمكِن أن يَقَع منه فاحِشة، ولا يَقَع منه خِيانة، ولا يَقَع منه كذِب، هذا مُستَحيل؛ لأن هذا يُخِلُّ بالشَّرَف ويُخِلُّ بمَقام النُّبوَّة، أمَّا المَعاصِي البَعيدة عن هذا فتَقَع، ألَيْس مُوسى - صلى الله عليه وسلم - قتَل نَفْسًا لم يُؤمَر بقَتْلها وهو من أُولي العَزْم؟


(١) أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة، رقم (٢٧٤٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>