قوله:{فِي آيَاتِ اللَّهِ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [القُرآن]، وهذا التَّفسيرُ قاصِر؛ لأن آياتِ الله تَشمَل الكَوْنية والشَّرْعية، ثُم تَشمَل أيضًا مَن يُجادِل في هذه الأُمَّةِ، ومَن يُجادِل فيمَن سَبَق، والذين يُجادِلون فيمَن سَبَق لا يُجادِلون في القُرآن، فالأَوْلى أن نَجعَل الآية على العُموم، يُجادِلون في آيات الله الكَوْنية والشَّرْعية إن كانوا في هذه الأُمَّةِ، فالشَّرْعية هي القُرآن والسُّنَّة أيضًا، وإن كانوا من قَبْل الأُمَّة فالمُجادَلة في التَّوْراة من قوم مُوسى، وهكذا.
إِذَنْ: تَفسير المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قاصِر؛ لأنه لم يُحِط بالمَعنَى، بل قصَره على بعضه، لكن لو ادَّعى مُدَّعٍ أن المفَسِّر ذكَر القُرآن من باب التَّمثيل، لوِ ادَّعى مُدَّعٍ ذلك لقُلْنا: هذا مُمكِن محُتَمَل، لكنه أَخطَأ في التَّعبير، إذ إن المُراد يُقال: آياته الشرعية كالقُرآن، حتى يَكون الأمر واضِحًا.
وقوله:{يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ}، المُجادَلة في الآيات الشَّرْعية، منها اتِّباع المُتَشابِه، فيَأتِي مثَلًا بآية من القُرآن فيها اشتِباه تَحتَمِل مَعنًى حقًّا، ومَعنًى باطِلًا، وهي في الحقِّ أَظهَرُ كما هو مَعلوم، فيُريد أن يَحمِلها على المعنى الباطِل المَرجوح، يَأتِي بآيات من القُرآن ظاهِرها التَّعارُض يَقول: القُرآن مُتناقِض كيف يَقول: كذا، ثُم يَقول: كذا.
فمثَلًا يَقول: إن الله تعالى قال: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء: ٤٢] يَوَدُّن {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} وفي آية أُخرَى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣] فكتَموا، قالوا:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} كانوا في الأوَّل مُقرِّين تمامًا، فيَأتِي يَقول: هذا القُرآنُ مُتَناقِض، كيف يُثبِت في مَكان أنهم لا يَكتُمون الله حديثًا وفي مَكان