للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلُّهُ؛ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" (١) وصدَق الرسول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ومثَّل أبو هُرَيْرةَ ذلك بالمَلِك له جُنود يَأمُر الجُنود فيَأتَمِرون (٢)، ولكن شيخ الإسلام ابن تَيمِيَّةَ (٣) قال: إن تَمْثيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَبلَغُ؛ لأن المَلِك قد يَتمَرَّد عليه الجُنودُ؛ لكن القَلْب هل يُمكِن تَتَمرَّد عليه الجَوارِحُ، أبَدًا لا يُمكِن، فجعَل الكِبْر في الصُّدور؛ أي: في القُلوب؛ لأن الصُّدور محَلُّها.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{إِلَّا كِبْرٌ} تَكبُّر وطمَع أن يَعلوا عليكَ].

{مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} جُمْلة {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} الظاهِر أنها مُستَأنَفة، وليست صِفة لـ {كِبْرٌ} {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ}؛ ولِهَذا نَقول: إذا قرَأْت فقُلْ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} هذا المَوْقِفُ الصحيح، ولا تَقِفْ على قوله: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} لا تَقِفْ عليه؛ لأنَّك إذا وقَفْت على {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} فمَعناه أنك وقَفْت على الكلام قبل التَّمام، ولكن قُلْ: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ}، ثُم قِفْ وقُلْ: {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}؛ لأنك إذا وصَلْت {إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} صارَت جُمْلة {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} حَسب القِراءة صِفة لكِبْر، وليس الأَمْر كذلك، بل هي جُمْلة مُستَأنَفة من الله عَزَّ وَجَلَّ يَقول: إنهم لن يَبلُغوا ما في صُدورهم من التَكبُّر عليك والعُلوِّ عليك، وقوله: {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} أَصْله ببالِغِينَه، لكن أين ذهَبَتِ النون؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.
(٢) أخرجه معمر في جامعه (١١/ ٢٢١)، والبيهقي في الشعب رقم (١٥٨).
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ١٨٧).

<<  <   >  >>