للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُذِفَت النُّون للإضافة؛ لأن النون والتَّنوين لا يَجتَمِعان مع الإضافة؛ ولهذا قال أحَدُ الناس يَصِف تَباعُدَه مع صاحِبه:

كَأَنِّيَ تَنْوِينٌ وَأَنْتَ إِضَافَةٌ ... فَأَيْنَ تَرَانِي لَا تَحِلُّ مَكَانِي (١)

والنُّون كالتَّنوين تُحذَف مع الإضافة {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَاسْتَعِذْ} من شَرِّهم {بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأَقْوالهم {الْبَصِيرُ} لأَحْوالهم]، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (استَعِذْ) بمَعنَى: استَجِرْ به واعتَصِمْ به فإنه جَلَّ وَعَلَا نِعْمَ المَعاذُ؛ ولهذا لمَّا دخَل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ تَزوَّجها فقالت: أَعوذُ بالله مِنْك. قال: "لَقَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ الحقِي بِأَهْلِكِ" (٢) وَترَكها مع أنه تَزوَّجها راغِبًا فيها، لكنَّها استَعاذَت بمَن لا يُمكِن أن يُخفَر جِوارُه أبَدًا، قال: "الحقِي بِأَهْلِكِ".

فاستَعِذْ بالله؛ مِن أيِّ شيء؟ يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مِن شَرِّهِم] والأَوْلى أن يَكون الأمر أعَمَّ. أي: استَعِذ بالله من كل مَكروهٍ، فلا مَلجَأَ للإنسان إلَّا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ولا عِياذَ إلَّا به، ولا لِياذَ إلَّا به أيضًا، فهو عَزَّ وَجَلَّ نفَرَ منه إليه.

وقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ختَمَ الآية بالسَّمْع والبصَر؛ لأن ما يُؤذون به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إمَّا قول فيُدرَك بالسَّمْع، أو فِعْل فيُدرَك بالبصَر. يَعنِي: آذَوْك بالقول فنَحن نَسمَع، بالفِعْل فنحن نُبصِر، وهذا فيه من تَطمين الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ما يُعلَم - إن شاءَ الله - في ذِكْر الفَوائِد والله أَعلَمُ.


(١) انظر: ذكريات علي طنطاوي (٢/ ٣٤١).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب من طلق، رقم (٥٢٥٤)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -، ورقم (٥٢٥٥)، من حديث أبي أسيد - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>