فإن قال قائِل: صحيح ما ذهَب إليه بعض المفَسِّرين في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ما تَقدَّم قبلَ الرِّسالة، وأمَّا المُتأخِّر هو تَرْك الأَوْلى من الرسول؟
فلا نُنزِّهُ الرسول إلَّا عمَّا نزَّهَهُ الله عنه، ثُم قُلتُ قبلَ قليل: قد يَكون الإنسان بعد التَّوْبة من المَعصِية خيرًا منه قَبْلها وضرَبْنا لكم مثَلًا بقِصَّة آدَمَ، فدعُوا النُّصوص على ما هي عليه، والله عَزَّ وَجَلَّ لا يَظلِم أحَدًا أبَدًا.
فلمَّا قالوا: إن قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف: ١٨٩ - ١٩٠] قالوا: إن هَذِه الآيةَ نزَلَت في آدَمَ وحَوَّاءَ أنها حمَلَت فجاءَها الشَّيْطان فقال: سَمِّيَا ولَدَكما عبدَ الحارِث. فأَبَيا أن يُطيعاه فخَرَج مَيْتًا، ثُمَّ حمَلَت ثانيةً فجاءَهُما وقال: لَتُطيعانِّي أو لأَجْعَلنَّ له قرنَيْ أيل - والأيل نوع من الغُزلان قَرُنه قويٌّ كالحربة - فيَخرُج من بَطنك فيَشُقُّك، فأَدرَكَهما حُبُّ الولَد فسَمَّياه عبدَ الحارِث (١) عبَّداه لغَيْر الله، لا يُمكِن أن يَقَع هذا من آدَمَ - صلى الله عليه وسلم -.
(١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١١)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف، رقم (٣٠٧٧)، من حديث سمرة - رضي الله عنه -.