وهذا يَدُلُّ على أن الحَقَّ غالِب للباطِل ولا مَحالةَ.
فإن قيل: إنَّنا نَجِد المُجادَلة من الكُفَّار أحيانًا لا تُدفَع، يَعجِز الإنسان عن دَفْعها. فالجواب: نعَمْ هذا ربما يَكون، لكن ليسَتِ العِلَّة من الحُجَّة، بل مِن المُحتَجِّ، فالعِلَّة ليست من الحُجَّة، الحُجَّة قائِمة والحقُّ غالِب، لكن العِلَّة من المُحتَجِّ قد يَكون قليلَ العِلْم؛ ولهَذا لا يَنبَغي أن تَدخُل في مُجادَلة غيرك إلَّا ومعَك عِلْم، وقد يَكون قاصِرَ الفَهْم لا يَفهَم، هو عِنده عِلْم لكن لا يَفهَم، وقد يَكون سَيِّئَ القَصْد يُريد الغلَبة فقَط انتِصارًا لقوله، لا انتِصارًا للحَقِّ، وهذا يَخذُل، وقد يَكون لِعِيِّه، ومَعنى العِيِّ أنه ليس عِنده من البَيان والفَصاحة ما يُؤدِّي إلى الغَلَبة؛ لأن البَيان والفَصاحة لَهُما تَأثير كبير في إثبات الحَقِّ، بل قد قال النَّبيُّ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرَّا"(١).
فهَذه الأُمورُ الأَربَعة هي الَّتي قد تَجعَل الباطِل يَعلُو ظاهِرًا على الحَقِّ والأربَعة هي واحِد.
أمَّا قِلَّة العِلْم هذه فهي الجَهْل، أو عِيِّه عن التَّعبير عَمَّا في نَفْسه، سُوء القَصْد، الراج قُصور فَهْمه. هذه الأَرْبعة هي التي تَجعَل من الباطِل مَنارًا يَعلو ظاهِرًا على الحقِّ، وأمَّا الحَقُّ نَفْسه فلا يُمكِن إطلاقًا أن يَغلِبه الباطِلُ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الكِبْر سبَب لكُلِّ شَرٍّ؛ ولهذا لا يَدخُل الجَنَّة مَن في قَلْبه
(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الخطبة، رقم (٥١٤٦)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.