للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمَعنَى الثاني السماء السَّقْف، والذي يُعيِّن أحد المَعنيَيْن هو السياق.

فقول الله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: ١٧] المُراد بالسَّماء هنا العُلوُّ، لأن المطَر ليس يَنزِل من ذات السَّماء السَّقْف، بل يَنزِل من العُلوِّ، ويَدُلُّ لذلِك قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١٦٤]، فالسَّماء هنا بمَعنى ذات السَّقْف، والمطَر يَنزِل من السَّحاب، فإذا كان مُسخَّرًا بين السماء والأرض اقتَضى ذلك ألَّا يَكون المطَر يَنزِل من السماء ذات السَّقف، ولكنه يَنزِل من السماء التي بمَعنى العُلوِّ، والذي معَنا هنا {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} المُراد به السَّماء ذات السَّقْف {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}؛ أي: جعَلَكم على صورة مُعيَّنة، والصورة هي الشَّكْل، فشَكْل الآدَميِّ هو أَحسَنُ شَكْل في المخلوقات، وأَحسَنُه وأَقوَمُه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: ٤]، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]، فلا صورةَ أحسَنُ من صورة الآدَميِّ، ولا شَكلَ أحسَنُ من شَكْله؛ ولهذا قال: {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} فبيَّن الله في هذه الآيةِ أربعةَ أشياءَ، الأرض التي هي محَلُّ السُّكنى، والسماء التي هي محَلُّ الظِّل، والتَّصوير الذي هو الهَيْكل الإنساني، والإمداد لهذا الهَيْكلِ وهو قوله: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}.

وقوله: {وَرَزَقَكُمْ}؛ أي: أَعطاكم و {الطَّيِّبَاتِ} هنا ما طاب ولَذَّ، واعلَمْ أن الطيِّب تارةً يُراد به الحَلالُ، وتارةً يُراد به الحَسَن، وتارةً يُراد به اللذيذ، ويُعيِّن ذلك السِّياقُ، فقول الله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} المُراد بـ {الطَّيِّبِ} هنا الحسَن، والمُراد بـ {الْخَبِيثَ} الرَّديءُ، والمُراد بقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} المُراد بها الحلال؛ لقوله: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}؛ لأنه لو قِيل: المُرادُ اللَّذيذ لكان قوله: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} لا مَعنَى له، ولا يُمكِن إقامة الشُّكْر إلَّا إذا تَناوَل الإنسان

<<  <   >  >>