للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيء الحَلال، والمُرادُ بقوله هنا: {مِنْ طَيِّبَاتِ} المُراد بها ما طاب ولَذَّ، وإنما قُلْنا بذلك؛ لأن رِزْق الله عَزَّ وَجَلَّ بالمَعنَى العامِّ يَشمَل الحلال والحَرام؛ ولهذا نَقول: إن الإنسان إذا اكتَسَب مالًا محُرَّمًا عن طريق الرِّبا مثَلًا فإنه مَرزوق لا شَكَّ، لكنه رِزْق فيه التَّبِعَة.

وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} {ذَلِكُمُ اللَّهُ} اسم الإشارة مُبتَدَأ، وما بعدَه عَطْف بَيان أو نَعْت، و (رب) خبَر المُبتَدَأ يَعنِي: هذا الذي أَمَدَّكم بهذه الأشياءِ الأربَعِ هو الله لا أَحَدَ غيرُه، وقوله: {رَبُّكُمْ} يَعنِي: جل وعلا ربُّ عِباده الذي هو الخالِق المالِك المُدبِّر؛ لأن الربَّ يَجمَع ثلاثة أَوْصاف: الخَلْق، والمِلْك، والتَّدبير.

وقوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {فَتَبَارَكَ} قيل: مَعناه:

تَعالى وتَعاظَم، وهذا المَعنَى قَريب، ولكن فيه أن (تَبارَك) أَخصُّ من ذلك، ومَعنَى (تَبارَك)؛ أي: أنه ذو البرَكة العظيمة الثابتة؛ ولهذا لا يُطلَق على غير الله بهذا المَعنَى أي: بمَعنى أنه ذو البَرَكة العَظيمة الثابِتة؛ لأن هذا الوَصفَ لا يَليق إلَّا بالله عَزَّ وَجَلَّ، وأمَّا ما يَقوله بعض الناس -كما سيَأْتي إن شاءَ الله في الفَوائِد- فسنَتكلَّم عليه.

وقوله: {رَبُّ الْعَالَمِينَ} {رَبُّ} هذه عَطْف بَيان أو صِفة للَفْظ الجلالة، والعالمَون كلُّ مَن سِوى الله، كل الخَلْق عالمَون، وسُمُّوا بذلك؛ لأنهم عالَم على خالِقهم، ففي كلِّ الخَلْق آية من آيات الله، كما قيل:

وِفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ (١)

والربوبية هنا الربوبية العامَّة؛ لأنه أَضافها إلى العالمَين، فهي عامَّة شامِلة.


(١) من شعر أبي العتاهية، انظر: ديوانه (ص: ١٢٢)، ومعاهد التنصيص (٢/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>