للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَمِيدَ بِكُمْ} يَقتَضي وجود الأعَمِّ، كما قُلنا في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}: إن هذه الآيةَ تَدُلُّ على ثُبوت رُؤية الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن نَفيَ الإدراك يَدُلُّ على ثُبوت أصل الرؤية، نَفي المَيَدان يَدُلُّ على وجود أصل الحرَكة.

لكن الأمر خَطير فيما أَرَى، هل الشمس هي التي تَدور على الأرض عند الطُّلوع والغُروب أو لا؟ نحن نَعتَقِد أنها هي التي تَدور، ولا مانِعَ من أن يَكون هُناك دَوَران للأرض ودَوَران للشمس؛ لأن ظواهِر الكِتاب والسُّنَّة كلها تَدُلُّ على أن الشمس هي التي تَطلُع وتَغرُب وتَميل وتَزول وتَزيغ، وما أَشبَهَ ذلك، فقد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٧] فهذه أربعة أَفْعال كلُّها أُضيفَت إلى الشمس، والأصل أن ما أُضيف إلى الشيء فهو فِعْله، وقال الله تَبَارَكَ وَتَعَالى في سورة (ص): {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: ٣٢]، وقال تعالى في سورة الكَهْف: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} [الكهف: ٨٦]. وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذَرٍّ حين غرَبت الشمس قال: "أَتَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ " قال: الله ورسوله أعلَمُ (١).

فكُلُّ هذه الأفعالِ مُضافة إلى الشمس نَفْسها، فكيف نَعدِل عن ظاهِر هذا اللَّفْظ إلى مَعنًى آخَرَ بدون أَمْر قَطعيٍّ يَكون لنا حُجَّة عند الله عَزَّ وَجَلَّ أن نُخالِف ظاهِر كلامه.

لكن مَن تَبيَّن له الأمر تَبيُّنًا واضِحًا ورأَى أنه أَمْر قَطعيٌّ يَقينيٌّ بدَهيٌّ كما يَقولون؛ فإنه يُمكِن أن تُؤوَّل الآيات بأن نِسبة الطلوع إلى الشمس والغُروب


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم (٣١٩٩)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، رقم (١٥٩).

<<  <   >  >>