للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذَّهاب باعتِبار رَأْي العَيْن، لا باعتِبار الواقِع، لكنِّي إلى الآنَ لم يَتبَيَّن لي أن اختِلاف الليل والنهار يَكون بدوَران الأرض، بل هو يَكون بدوَران الشَّمْس، والله على كل شيء قَديرٌ.

فإن قال قائِل: ما الجَمْع بين قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِأَنَّ الشَّمْسَ تَسْجُدُ كُلَّ غُرُوبٍ عِنْدَ الْعَرْشِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَسْتَأْذِنُ رَبَّهَا فِي أَنْ تُشْرِقَ فَيَأْذَنَ لهَا" (١)، ومِمَّا قرَّره العِلْم الحديث أن الشمس لا يُمكِن أن تَغرُب أبَدًا، فهي كل لحظة إمَّا أن تُشرِق على ناس، أو تَغرُب على آخَرين، وأن في شَمال الكُرَة الأرضية الشمس سِتة أَشهُر كامِلة لا تَغرُب، وسِتة أَشهُر كامِلة غير مَوْجودة.

فالجَوابُ: نحن ذكَرْنا قاعِدة، أن الأمور الغَيْبية التي لا يُدرِكها الحِسُّ تَبقَى على ظاهِرها، ولا يُقال: كيف نَجمَع؛ لأن هذا أمر لا نُدرِكه حتى نَجمَع، فنَقول كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَنّهَا إِذَا غَرَبَتْ تَسْجُدُ"، ولم يَقُل الرسول كلَّما غرَبَت في أي مَكان، قد يَكون سُجودها إذا غرَبَت عن هذا الوجهِ -وجهِ الأَرْض- الذي فيه الحِرمان، بخِلاف ما إذا غابت على وَجْهٍ آخَرَ، لا نَدرِي، فنحن نَقول كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونُقيِّد الزمَن بما قيَّده الرسول، يَعنِي: إذا غابَت عن المَدينة حصَل هذا، وهذا أَمْر مُمكِن محُتَمَل؛ لأن أَفضَلَ وجه الأرض هو هذا الوَجهُ الذي فيه المَسجِد الحرام، والمَسجِد النبويُّ، والمَسجِد الأقصى.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن السماء مَبنيّة؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} وهو كذلك قال الله عزَّ وَجَلَّ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: ٢٧]، وقال: {وَالسَّمَاءَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم (٣١٩٩)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، رقم (١٥٩)، من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>