للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُؤمِن على الطَّيِّبات إلَّا بالشُّروط التي ذكَرَ الله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: ٩٣]، شُروط ثَقيلة بِحِلِّ الرِّزْق، مع أنه طَيِّبٌ، نَسأَل الله أن يُعينَنا على تَحقيق هذه الشُّروطِ.

إِذَنِ: الكافِرُ لا يُمكِن أن يَكون في حَقِّه رِزْق خاصٌّ، كل الرِّزْق وإن كان طيِّبًا فهو عامٌّ بالنِّسبة له؛ لأنه يُحاسَب عليه، أمَّا المُؤمِن فيَنقَسِم الرِّزْق في حَقِّه إلى خاصٍّ وعامٍّ، فما أَثِمَ به فهو من العامِّ، وما لم يَأثَم به فهو من الخاصِّ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: بَيان أن رُبوبية الله عَزَّ وَجَلَّ مَبنيَّة على الرحمة؛ لقوله: {ذَلِكُمُ}؛ أي: الذي أَعطاكُم هذه الأشياءَ الأَرْبعة {اللَّهُ رَبُّكُمْ} فرُبوبية الله عَزَّ وَجَلَّ مَبنيَّة على الرحمة، وَيدُلُّ على ذلك قولُه في سورة الفاتِحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢ - ٣]، فرُبوبية الله عزَّ وَجَلَّ مَبنيَّة على الرحمة والرَّأْفة.

فإن قال قائِلٌ: يَنتَقِض عليكم هذا بما يَحصُل في الحياة الدنيا من المُنغِّصات التي تُؤذِي الإنسان، وربَّما تَضُرُّه؟ !

قلنا: هذه بالنِّسْبة للمُؤمِن رَحمة؛ لأنها مُكفِّرة للذُّنوب، لَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ شَيْءٌ مِنْ هَمٍّ أَوْ غَمٍّ أَوْ أَذًى إِلَّا كَفَّرَ الله بِهِ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِذَنْ هي رحمة؛ لأنها تُكفِّر السَّيِّئات، ومع احتِساب الأَجْر مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكون حسَنات؛ لأن تَرقُّب ثواب الله، واحتِساب الأَجْر على الله عمَل صالِح يُثاب عليه المَرْء، وهذا الأذى، أو هذا الضرَرُ الذي يَنال العَبد عرَض يَزول، ولهذا لو رجَعْت إلى الوَراء في تَفكيرك لوَجَدْت أنه مَرَّ بك أشياءُ كَثيرة من الأَذى، وأَشياءُ كثيرة من الضرَر، فزالَت وكأنها لم تَكُن.

<<  <   >  >>