للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {لَهُ الدِّينَ}، الدِّين يُطلَق في القُرآن الكريم على مَعنيَيْن: المَعنَى الأوَّل العمَل، والمعنى الثاني الجزاء، فمن الأوَّل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦]، ومن الثاني قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤]؛ لأن يوم القِيامة لا عمَلَ فيه، فيَوْم الدِّين يَعنِي: يوم الجزاء، والمُراد به هنا {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} العمَل {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أي: مخُلِصين له عمَلَكم، وهو الدُّعاء.

وقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [من الشِّرْك] مُتعلِّق بـ {مُخْلِصِينَ}؛ أي: مُنقِّين له من الشِّرْك؛ بحيث لا يَكون في عمَلكم إشراك.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه جُملة تَتَضمَّن الثناء على الله عَزَّ وَجَلَّ بعُموم رُبوبيته، والحمد مَصدَر حمِد يَحمَد حَمْدًا، وهو -أَعنِي: الحمدَ- وَصْف المَحمود بالكَمال على وجه المَحبَّة والتَّعظيم.

فقولنا: "وَصْف المَحمود بالكَمال" خرَج به القَدْح؛ لأن القَدْح وَصْف المَوْصوف بالنَّقْص.

وقولنا: "على وجهِ المَحبَّة والتَّعْظيم خرَج به المَدْح"؛ لأن المَدْح المُجرَّد قد لا يَكون للمَحبَّة ولا للتَّعْظيم، قد يَكون للخَوْف، فربَّما يَمدَح الرجُل سُلطانًا جائِرًا لا لمَحبَّته ولا لتَعظيمه، ولكن للخَوْف منه، أمَّا الحمد فلا يَصدُر إلَّا عن مَحبَّةٍ وتَعظيم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله" (١) المُراد بالمَدْح هنا الحمْد.


(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الغيرة، رقم (٥٢٢٠)، ومسلم: كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، رقم (٢٧٦٠)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>