للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدِّين هو العمَل، ولكن يُقال: إن الدُّعاء من العمَل، ولا بُدَّ فيه من إخلاص، فالصواب أن قوله: {فَادْعُوهُ}؛ أي: اعبُدوه واسأَلوه، فهو دُعاء عِبادة ودُعاء مَسأَلة.

إذا قال قائِل: دُعاء المَسأَلة واضِح أنه دُعاء، تَقول مثلًا: يا ربِّ اغفِرْ لي، يا

ربِّ يَسِّرْ أَمري وإخواني المُسلِمين؛ لكن كيف كانت العِبادة دُعاء؟ .

فالجَوابُ: العابِد يَدعو الله بلِسان الحال؛ لأنَّك لو سأَلته لماذا عبَدْتَ الله لقال: أَرجو ثَوابه، وأَخشَى عِقابه. إِذَنْ فهو داعٍ بلِسان الحال، {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {مُخْلِصِينَ} اسم فاعِل، وفِعْله: أَخلَص، ومَعنَى أَخلَص، أي: نَقَّى الشيء من غيره، أَخلَصه يَعنِي: جعَله خالِصًا لا شائِبةَ فيه، إِذَنْ فمَعنَى مخُلِصين؛ أي: مُنقِّين العِبادة والدعوة له وحدَه.

فإن قال قائِل: التَّفريق بين دُعاء المَسأَلة ودعاء العِبادة، أليس جميع الدُّعاء يُعتبر من العِبادة؟

فالجَوابُ: بلى، لكن فَرْق بين أن أَقوم أُصلِّي، أو أَقول: يا ربِّ اغفِرْ لي، الثاني سُؤال صريح.

والعِبادة سُمِّيت دُعاءً؛ لأن العابِد يُريد الثواب والنَّجاة من العِقاب، فهو داعٍ بلِسان الحال. أمَّا الدُّعاء الصريح فهو بلِسان المَقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي وارحَمْني، وما أَشبَهَ ذلك.

والكل يُطلَق على العِبادة، لكن هذا عِبادة، والدُّعاء عِبادة؛ لأنك تَتعبَّد لله، وتَتذلَّل له بالسُّؤال، والعِبادة مَعروفة، وكلُّها أيضًا يُسمَّى مَسأَلة؛ لأن العابِد سائِل.

<<  <   >  >>