وهذا صَحيح، فالمَرْء يَفرَح بالأيام يَقطَعها، يَقول: ما شاء الله عُمري طويل، ومُتِّعْت كثيرًا. لكن كل يوم يَمضِي وكل يوم مضَى يُدنِي من الأَجَل، إِذَنْ يَطول من وَجْه ويَقصُر من وجهٍ آخَرَ، ثُم عند انتِهاء الأجَلِ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات: ٤٦].
وقِسْ ما يُستَقبَل بما مَضَى الآنَ، مِنَّا مَن عُمِّر سِتِّين سَنَةً، أو خَمسين، أو عِشرين سَنَةً، أو ما أَشبَه ذلك، هذه الأيامُ التي مضَت كأنها ساعة. يَعنِي: أنت اليوم كأَنْت بالأَمْس، وأنت بالأَمْس كأَنْت قبل أَمْسِ، كأنها ساعة، كأنها أحلام؛ ولذلك {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى}.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: بَيانُ نِعْمة الله علينا بالعِلْم والبَيان؛ لأن ذلك سبَب لبُلوغ الغاية في العَقْل، وذلك لقوله:{وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: إثبات تَعليل أَحْكام الله؛ أي: أن أحكام الله تعالى مُعلَّلة بحِكْمة، وهل هذا مُقتَصِر على الأحكام الشرعية، أو على الأحكام الشَّرْعية والكَوْنية؟
الجوابُ: الثاني، فكُلُّ أحكام الله الكَوْنية والشَّرْعية كلُّها مُعلَّلة، كلُّها لحِكْمة، لكِنَّ هذه الحِكْمةَ قد تَكون مَعلومة لنا، والناس يَختَلِفون في هذا اختِلافًا عَظيمًا مُتبايِنًا، مِنهم مَن يُطلِعه الله عَزَّ وَجلَّ على أسرار خَلْقه وأسرار شَرْعه، ومنهم مَن لا يُطلِعه، ومِنهم مَن بَيْنَ ذلك.
وكذلك أحكام الله الشَّرْعيةُ كلّها لحِكْمة، كلّها مُعلَّلة، وما يَذكُره الفُقَهاء من أن هذا الحُكمَ تَعبّديٌّ لا يَعنُون بذلك أنه ليس له عِلَّة، وإنما يَعنون بذلك أن عِلَّته غير مَعلومة لنا، فنحن ليس لنا إلَّا مجُرَّد التَّعبّد؛ ولهذا لمَّا سأَلَتِ المرأة أُمَّ المُؤمِنين عائِشةَ - رضي الله عنها - قالت: ما بَالُ الحائِضِ تَقفِي الصَّوْمَ ولا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ قالَتْ: