للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأسبابًا شرعية بها يَطول العُمر، وتَبقَى الصِّحَّة، وقد يُقدِّر الله أسبابًا على العكس من ذلك.

فمن أَسْباب الشَّرْعية ما ذكَرَه النبيُّ عَلَيْه الصَّلَاةُ والسَّلَامُ في قوله: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، وَيُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (١) فهذا دليل على أن صِلة الرحِم من أسباب سَعة الرِّزْق، وطول العُمر، فيُيسِّر الله تعالى لهذا العبدِ أن يَصِل رحمه فيَطول عُمره، وهذا شيء مَكتوب، ولكنَّنا لا عِلمَ لنا به، فحثَّنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليه بهذه الطَّريقةِ.

وأمَّا الأسباب الكونية فهو تَوقِّي الأسباب الضارَّة في الصِّحَّة، وهذا شيء لا نِهايةَ له، وهو أَمْر مَعلوم وأكثَرُ مَن يَعرِفه الأطِبَّاء، فيُيسِّر الله تعالى للإنسان من أسباب الصِّحَّة من دواء وغِذاء وهواء ما يَكون به طول العُمر.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الأَجَل مَهما طال بالإنسان فإنه محَدود، له غاية مع أن الإنسان في نَفْسه يَمُدّ أمَلًا بعيدًا جدًّا، يَظُنُّ أنه سيَبقَى عشَرات المِئات، ولكنه في الواقِع مَهما بلَغ فإن الأجَل مَحدود، والشيء المَحدود المعدود غايَتُه النِّهاية؛ لأن كل يوم يَمضِي يَنقُص العُمر، قال الشاعِرُ:

وَالمَرْءُ يَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ يَقْطَعُهَا ... وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ (٢)


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم، رقم (٥٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) ذكره الأصمعي في قصة له مع أعرابي، انظر: نثر الدر في المحاضرات (٦/ ٣٧)، وزهر الآداب (٢/ ٤٥٦). وقريب منه بيت أبي العتاهية:
تظلّ تفرح بالأيام تقطعها ... وكلّ يوم مضى يدني من الأجل
انظر: محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني (٢/ ٣٩٦).

<<  <   >  >>