للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا الذي له ولغَيْره قَطْعًا، فمِثْل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: ١]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} لم يَقُل: إذا طلَّقْتَ النِّساء. فدَلَّ هذا على أن الخِطاب الخاصَّ به له وللأُمَّة؛ لأنه خاطَبه أوَّلًا بالنِّداء، ثُم وجَّه الخِطاب إلى الأُمَّة عُمومًا فقال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ} فدَلَّ هذا على أن الخِطاب الخاصَّ به بالنِّداء ليس خاصًّا به، بل هو له وللأُمَّة.

وأمَّا ما ليس كذلك -يَعنِي: ما ليس هذا ولا هذا- فقد اختَلَف فيه العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ هل هو خِطاب خاصٌّ بالرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولا يَشمَل الأُمَّة إلَّا حُكْمًا على سَبيل التَّأسِّي به، أو أنه عام للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ولغَيْره، ويَكون الخِطاب فيه لمَن يَصِحُّ خِطابه، والخِلاف في مِثْل هذا يَكاد يَكون لَفْظيًّا؛ لأن الجميع مُتَّفِقون على أن هذا الحُكْم ثابِت للرسول ولغيره، لكن إذا قُلْنا: إنه خاصٌّ. به صار بالنِّسبة لغَيْره عامًّا على وجهِ التَّأسِّي والقُدْوة، لكن الحُكْم لا يَختَلِف في الواقِع؛ لأنه إن لم يَشمَل الأُمَّة لفظًا فقد شمِلها حُكْمًا؛ للأَمْر بالتَّأسِّي به صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فهُنا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} مِمَّا يَدخُله الاحتِمال أنه خاصٌّ بالرَّسول عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أو عامٌّ لكل مَن يَتَوجَّه إليه الخِطاب.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [القُرآن] وهذا التَّفسيرُ يُعتَبر قاصِرًا؛ لأن آياتِ الله أَعظَمُ من كونِها كَوْنية أو شَرْعية، وأعظَمُ من كونها في القُرآن، أو التَّوْراة، أو الإنجيل، أو غيرها من الكُتُب المُنزَّلة على الرُّسُل، فالصواب أن نَقول: في آيات الله الكَوْنية والشَّرْعية، وأَوْلَى ما يَدخُل فيها القُرآن.

والمُجادَلة هي المُنازَعة مع الخَصْم من أَجْل صَرْفه عمَّا كان عليه من المُجادَلة، مَأخوذة من الجدَل، وهو فَتْل الحَبْل حتى يَحتَكم ويَكون قويًّا، هؤلاء الذين يُجادِلون

<<  <   >  >>