فإذا جعَلْتها للعهد فقَدْ عدَلْت بمَعناها العامِّ إلى مَعنًى خاصٍّ، وكذلك إذا جعَلْتها للحَقيقة، ونحن نَضرِب ثلاثة أمثِلة؛ ليَتبيَّن الأمر، إذا قلت: الرجُل خَيْر من المرأة. فهي ليسَتْ للعُموم؛ لأن من النِّساء من هو خَيْر من الرِّجال؛ إِذَنْ: هذا لبَيان الحَقيقة.
وإذا أَورَد عليك قولَ الله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٥ - ١٦] فهي للعَهْد الذِّكريِّ.
قوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} هذا أيضًا للعَهْد؛ أي: العَهْد الذِّهنيِّ.
هنا قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: حمَل قولَه: "الكِتاب" على العَهْد الذِّهنيِّ، وقال: إنَّه [القُرآن]، والصَّواب أنه عامٌّ، وأن المُراد به جِنْس الكِتاب، وذلك لأن التَّوراة كَذَّبت بها أُناسٌ، والإِنْجيل كذَّب به أُناس، وكذلك الزَّبور وبَقيَّة الكُتُب، وآخِرُها القُرآن.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} عَطَفها على قوله: {بِالْكِتَابِ} بإِعادة العامِل؛ لأن العَطْف يَكون بإعادة العامِل وبغَيْر إعادة العامِل، فتَقول: مرَرْت بزَيدٍ وعَمرٍو. هذا عَطْف بدون إعادة العامِل، مرَرْت بزَيْد وبعَمْرٍو هذا عَطْف