بإعادة العامِل، ويُفيد إعادة العامِل استِقْلال المعطوف عن المعطوف عليه؛ لأنه ليس تابِعًا له من كل وَجْه بدليل إعادة العامِل، فقوله:{وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} يَدُلُّ على أن ما أُرسِلَت به الرُّسُل كأنه مُستَقِلٌّ عن الكِتاب؛ ولهذا كانَتِ السُّنَّة بمَثابة الكِتاب في الدَّلالة بوُجوب العَمَل بها.
وقوله:{وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [من التَّوْحيد والبَعْث وهُمْ كُفَّار مكَّةَ] التَّوْحيد يَعنِي: تَوْحيد الله عَزَّ وَجَلَّ بما يَستَحِقُّ من الأسماء والصِّفات والعِبادة والربوبية، وأمَّا البَعْث فهو إخراج الناس من قُبورهم يومَ القِيامة.
وقوله:[وهُمْ كُفَّارُ مكَّةَ] هذا لا وَجهَ له؛ لأن هذا الوَصفَ التَّكذيب بالكِتاب، وبما أُرسِل به الرُّسُل لا يَختَصُّ بأَهْل مكَّةَ هم وغيرهم، فالأَوْلى أن يُجعَل هذا عامًّا في كل مَن كذَّب بمُحمَّد - صلى الله عليه وسلم -، بل قُلْ: عامًّا لكل مَن كذَّب الرُّسُل انتَبِهْ.
لكن إذا قال قائِلٌ:{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أَلَا تَدُلُّ بذلك على أن المُراد بذلِكَ الكُفَّار الذين كذَّبوا محُمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -؟
الجَوابُ: لا؛ لأن قوله:{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تَهديد بما سيَكون في الدُّنيا، وما سيَكون في الآخِرة بدليل قوله:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} والأغلال لا تَكون في الأَعْناق إلَّا يوم القِيامة.
قال المفَسِّر: [{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عُقوبةَ تَكذيبِهم {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}{إِذِ} بمَعنَى: إذا، {وَالسَّلَاسِلُ} عَطْف على {الْأَغْلَالُ} فتكون في الأَعْناق، أو مُبتَدَأ خبَرُه مَحذوف؛ أي: في أَرجُلِهم، أو خبَرُه {يُسْحَبُونَ} أي: يُجَرُّون بها].