أَعْنَاقِهِمْ} فيَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إن [{إِذِ} بمَعنَى: إذا]، ومن المعلوم أن (إِذْ) تَأتِي للحاضِر وتَأتِي للماضِي، و (إذا) تَكون للمُستَقبَل، فما الذي جعَل المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يَصرِف مَعناها إلى المُستَقبَل؟
الذي جعَله يَصرِف ذلك إلى المُستَقبَل أن الأَغلال لا تَكون إلَّا يوم القِيامة، وهو مُستَقبَل.
ولكنَّنا نَقول: لا حاجةَ إلى ذلك، بل هي (إِذْ) على بابها، ولكنَّها حِكاية حال، وحِكاية الحال هي التي تَجعَل المُستَقبَل كأنه حاضِر، وهذا أَبلَغُ في التَّهديد. يَعنِي: كأن الأَغْلال الآنَ حاضِرة؛ لأنها أمر مُؤكَّد، ولا بُدَّ أن تَكون الأَغْلال في الأَيْدي، كما قال الله تعالى:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[المائدة: ٦٤]، والسلاسل تَكون في الأَرجُل، كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: ٤٩ - ٥٠]، لكن هنا يَقول:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ} تَقتَفِي أن يَكون {وَالسَّلَاسِلُ} في الأعناق في محَلِّ الأَغْلال، ولكن في احتِمال آخَرَ بيَّنه رَحِمَهُ اللَّهُ بقَوْله: [عَطْف على {الْأَغْلَالُ} تَكون في الأعناقِ] أي: مُبتَدَأ خبَرُه مَحذوف؛ أي: في أَرجُلهم، وإذا كانت مُبتَدَأ نَقول: الواو للاستِئْناف، و (السلاسل): مُبتَدَأ وخبَرُه مَحذوف؛ أي: في أَرجُلهم، أو خبره {يُسْحَبُونَ} ويَكون العائِد مَحذوفًا، والتَّقديرُ: يُسحَبون بها {وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ} بها، فهُنا صار في إعراب (السَّلاسِل) ثَلاثةُ أَوْجُهٍ:
الوجه الأوَّلُ: أنها مَعطوفة على {الْأَغْلَالُ} فتكون والسلاسِل في الأعناق يَعنِي: مَعناه: تُغَلُّ أيديهم إلى أَعْناقهم بسَلاسِلَ.
والثاني: أن تَكون السلاسِل بالأَرْجُل، والخبَر مَحذوف؛ أي: في أَرجُلهم.