تَزْعُمُونَ} الذي يُنادِيهم الله؛ لأنه قال:{أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}، ويُمكِن أن يُقال: إنهم يُنادَوْن من قِبَل الله، ويُنادَوْن أيضًا من قِبَل الملائِكة الذين وكَّلَهم الله عَزَّ وَجَلَّ. أو يُقال: إن المَلائِكة تُناديهم، ولكن مُناداتهم أُضيفَت إلى الله؛ لأنه الآمِر بها كما أَضاف الله الوَفاةَ إليه؛ مع أن التي تَتَوفَّى الأَنفُس مُباشَرةً هي الرُّسُل، ولكن نَقول: هذه احتِمالات لا نُورِدها مع وجود الظاهِر؛ لأن الكلام يُحمَل على ظاهِره حتى يَقوم دَليلٌ على صَرْفه عن الظاهِر، فإذا كان الله يَقول:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} صَريح بأن المُنادِيَ هو الله، وَيبقَى على ما هو عليه، ويُحمَل ما كان مَبنيًّا للمَفعول على أن المُنادِيَ هو الله عَزَّ وَجَلَّ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الله تعالى يُضِلُّ الكافِر لكُفْره، وجهُ الدَّلالة: أن الحُكْم إذا عُلِّق على وَصْف كان ذلك الوصفُ عِلَّةً له، فما الذي عُلِّق على الكُفْر هُنا؟ الإضلالُ.
إِدنْ: الكُفْر سبَب الإضلال، ويُؤيِّد هذا قولُ الله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥].
يَتَفرَّع على ذلك: أن الضالَّ إذا ضلَّ فإنه هو السبَب في ضَلاله؛ لأن الله تعالى لو عَلِم فيه خيرًا لأَسمَعه؛ ولهذا يَقول عَزَّ وَجَلَّ:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وهذه الآيةُ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} تَعنِي أن الله أَعلَمُ حيث تَكون الرِّسالة في شخص مُعيَّن، وكذلك حيث يَكون أثَرُ الرِّسالة في شخص مُعيَّن، وأَثَر الرِّسالة الهِداية.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الرَّدُّ على القدَرية: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} وجهُ ذلك: أن القَدَرية يَقولون: إن أَفعال العِباد ليسَت مخَلوقة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا عَلاقةَ لله به، لكنَّ الآيةَ تَدُلُّ على أن الله عَزَّ وَجَلَّ هو الذي يُضِلُّهم، فيَكون في ذلك رَدٌّ على القَدَرية.