للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَنبَغي بهذه المُناسَبة أن نَقول: إن الناس انقَسَموا في هذا البابِ إلى طرَفَيْن ووسط، -أي: في أَفْعال العِباد-:

فمِنهم مَن يَقول: إن أَفْعال العِباد مَخلوقة لله، والعَبْد مَجبور عليها وليس له إرادة؛ لأن الله خالِقُ كل شيء، وإذا كان الله هو الخالِقَ فالإنسان ليس له تَدْبير.

ومنهم مَن قال بالعَكس: إن الإنسان فاعِل باختِياره وليس لله عَلاقةٌ به. هذان طرَفان.

ومِنهم مَن قال: إن الإنسان فاعِل باختِياره لكن فِعْله مَقرون بمَشيئة الله، وهذا هو الوَسَط.

واعلَموا أن أسباب الضَّلال في مِثْل هذه الأُمورِ أن من الناس مَن يَنظُر إلى النُّصوص من زاوِية واحِدة، بمَعنى أنه يَأخُذ نَصًّا ويَدَع نصًّا:

فالجَبْرية رأَوْا عُموم مَشيئة الله وعُموم خَلْق الله، وأن الإنسان فَقير إلى الله، وما أَشبَه ذلك فقالوا: إِذَنْ الإنسان ليس له إرادة ولا اختِيار، وفِعْله على وَجْه الإجبار.

والقدَرية رأَوْا أن الإنسان يَفعَل ولا يُحِسُّ أن أحَدًا مُكرِهٌ له، والله تعالى قد أَضاف الفِعْل إليه فقال: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} وما أَشبَهَ ذلك، فإِذَنْ هو مُستَقِلٌّ بعمَله ليس لله فيه عَلاقة، فأَخَذوا من جانَب وتَرَكوا من جانبٍ آخَرَ.

وهكذا جميع خِلاف العُلَماء إذا رأَيْت العُلَماء مُختَلِفين على طرَفَيْن ووسَط، فاعلَمْ أن الطَّرَفين كل واحد مِنهما أَخَذ بجانِب من الأدِلَّة وترَك جانِبًا آخَرَ.

<<  <   >  >>