وبهذِه الآياتِ الثلاثِ يَتبيَن ضَعْف - بَلْ بُطلان - قولِ مَن يَقول: إن النار ليسَتْ مُؤبَّدة، وإنها تَفنَى. فإن هذا القَوْلَ مُنكَر؛ لأنه مخُالِف لصريح القُرآن، ولا يُمكِن لإنسان يُخالِف صريح القُرآن لمُجرَّد تَعليلات يُعلِّلها، مثل أن يَقول: إن رحمة الله تعالى سبَقَت غَضَبَه، وإن هَؤلاء مَآلهُم إلى أن يَفنَوْا هم والنار. يُقال: نعَمْ رحمة الله سبَقَت غَضَبَه، لكن وَعْد الله حَقٌّ، وإذا كان وَعْد الله حقًّا، فإنهم يُخلَّدون فيها أَبَدًا.
فإن قال قائِل: نحن قُلنا بأن القولَ: إن النار ليسَتْ مُؤبَّدة مُخالِفٌ لصَريح القُرآن، فإن قيل: هذا وعيد، وإخلاف الوَعيد جائِز! .
فالجَوابُ: نَقولُ: هذا لا يُمكِن؛ لأنَّنا لا نَقول: إخلاف الوَعيد جائِز، إلَّا في أَمْر ضَروريٍّ لا بُدَّ منه مِثْل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}[النساء: ٩٣].
وهذه بعضُ الأَجْوبة التي أُجيب عن هذه الآيَةِ بها، أن هذا الوَعيدُ، وإخلافُ الوعيد كرَم، وهو ثَناء ومَدْح للمُخلِف، لكِنْ هذا الجَوابُ في الواقِع جَواب يُهَزُّ ليس جَوابًا راسِخًا؛ لأنَّنا نَقول:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: ٣١] أي: ما وعَدَ به من عُقوبة أو كرامة، وأمَّا الآية:{خَالِدِينَ فِيهَا} في آية القَتْل فيُحمَل الخُلود على المَعنَى الثاني وهو المُكْث الطويل، وبهذا ليس هناك تَناقُضٌ.
فإن قال قائِل: التَّخليد الأبَديُّ في هذا العذابِ الأَليم كيف يَكون جَزاء لإنسان لم يَبقَ في الدُّنيا إلَّا مِئة سَنَة، أو مِئتي سَنَة، أو أَلْف سَنَة، فيَكون هنا العَذاب أكثرَ