للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من زمَن العمَل؛ لأنه لا أَحَدَ بَقِيَ في الدنيا أَبدَ الآبِدين فيَقتَضي هذا أن يَكون فيه ظُلْم؛ لأن الجزاء صار أكثَرَ من العمَل بكثير، ولا يُنسَب له، كما قُلت لكم يَعنِي: لنَفرِض أن أحَدًا من الناس عاشَ ألفَ سَنَة، أو أَلفَيْ سَنةٍ، أو عشَرة آلاف سَنَة، لكنه عاش إلى أَمَد ثُم نَقول: عَذابه مُؤبَّد. يَكون هذا ظُلمًا؟

فيُقال: إن هذا أَمضَى حَياته الدُّنيا كُلَّها في محُادَّة الله ورُسُله فيُمضِي حَياته الأخرى كلَّها في العَذاب، وهذا عَدْل، ثُم إن هذا الذي عُذِّب أبَدًا قد قيل له في الدُّنيا وبُيِّن له أن جزاءَه العَذاب الأبَديُّ، فلماذا يُقدِم على شَيْء يَعرِف أن هذا جَزاءَه، وحينَئِذٍ لا ظُلمَ، ولا عُذْرَ للكافِرين.

فالمُهِمُّ: أن قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} يُراد به الخُلود الأبَديُّ.

فإن قال قائِل: ما قولكم في ما ورَد: "يَبْلغ المرءُ بنِيَّته ما لَا يَبْلغ بعَمَله"؟

فالجَوابُ: أوَّلًا هذا ليس حَديثًا صحيحًا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وثانيًا مُرادُ قائِله أن الإنسان يُدرِك بنِيَّيه ما لا يُدرِك بعمَله، هذا المَعنَى، فالإنسان المَريض الذي يَتمَنَّي أنه صحيح يَقوم بما أَوْجَب الله عليه، هذا أَدرَكَ بالنِّيَّة ما لم يُدرِك بالعمَل، وكذلك أيضًا بالنِّسبة للشَّرِّ، الإنسان إذا نوَى الشرَّ وهو عاجِز عنه يُعاقَب مُعاقَبة الفاعِل لكن بالنِّية، دَليل ذلك قول النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الرجُل الفَقير الذي ليس عِندَه مال، وكان هناك رَجُل آخَرُ يُنفِق المال في غير مَرضاة الله فقال الرجُل: "لَوْ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ لَعَمِلْتُ فِيهِ عَمَلَ فُلَانٍ" قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهُوَ بنِيَّتِهِ فَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ" (١).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٣٠)، والترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، رقم (٢٣٢٥)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب النية، رقم (٤٢٢٨)، من حديث أبي كبشة الأنماري.

<<  <   >  >>