للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انفِعال، والانفِعال يَأْتي بغير الاختيار؛ كالغضَب مثَلًا، والحُزْن من الواقِع، يُقال: المُراد بالنَّدَم هنا تَحسُّر القلب، فهو انفِعال يَقَع من الإنسان ليس كالانفِعال الذي يَأتِي سببه من الخارِج، هذا ربَّما لا يَستَطيع الإنسان أن يُغيِّر ما وقَع.

الشَّرط الثالث: التَّخلِّي عن المَعصية والانفِصال عنها، فإن تابَ وهو مُصِرٌّ فإن تَوْبَته أشبَهُ ما تَكون بالاستِهْزاء، كيف يَقول الذي يَأكُل لحم الخِنزير: أَستَغفِر الله تعالى، وأَسأَل الله أن يَجعَل طعامي طيِّبًا؟ ! وهو يَأكُل هو يَمضَغ اللَّحمة جيِّدًا، وَيقول: أَستَغفِر الله من أَكْل لحم الخِنزير، وأَسأَل الله أن يَجعَل طعامي طيِّبًا! هذا أَشبَه ما يَكون بالمُستَهزِئ. ولو أنَّ رجُلًا نَهاك عن شيء، ووجَدَك تَعمَل هذا الشيءَ، وأنت تَقول: أَرْجو منك أن تَعذِرني، وما أَشبَه ذلك وهو يَأكُل، وقال له: لا تَأكُل، وهو يَأكُل، فإنَّ هذا الذي يُخاطِبه سوف يَقول: إنَّك تَستَهزِئ بي وتَسخَر بي. فلا تَوْبةَ مع الإصرار، ولا بُدَّ أن يَتخلَّى عن الذَّنْب.

وإذا كان الذَّنْب لله عَزَّ وَجَلَّ فالتَّخلِّي عنه سَهل، لكن إذا كان الذَّنْب لغير الله -يَعنِي: أَذنَب في حق غير الله- فكيف يَتخلَّى عنه؟

نَقول: إذا كان مالًا فالتَّخلِّي عنه بإيصاله إلى صاحِبه، بأيِّ وَسيلة كانت، فإن كان قد مات فإن ورَثَته، فإن جهِلهم فإلى بيت المال، أو إذا كان بيت المال غيرَ مُنتَظِم، أو يُخشَى عليه أن يَضيع، فلْيَتصَدَّق به هو لصاحِبه، هذه أربَعُ مَراحِلَ: لصاحبه، لورَثَته، لبيت المال، إن جهِلهم، يَتصَدَّق به. والغالِب أن الصدَقة أَوْلى من بيت المال.

وإذا كان عُدوانًا على النفس ليس مالًا، فالتوبة منه أن يُمكِّن صاحب الْحَقَّ من الاقتِصاص منه، فمثَلًا: إذا كان قدِ اعتَدَى على شخْص بضَرْب، فلْيَذهَب إليه

<<  <   >  >>