للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَقول: أنا اعتَدَيْت عليك بالضَّرْب اضرِبْني كما ضرَبْتك. كما فعَل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مع الرجُل الذي ضرَبه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حينما رآه مُتقدِّمًا في الصفِّ فقال الرجُل: أَقِدْني يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فكشَف النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن بَطْنه ليُقيدَه، فماذا فعَل الرجُل؟ قبَّله (١).

فهذا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو أَشرَف الخَلْق، وأَحَبُّ الناس إلى أَتباعه مكَّن من الاقتِصاص منه، هذا اثنان: المال والبدَن.

أما إذا كان في العِرْض: بأنِ اعتَدَيْت على شخص في عِرْضه، يَعنِي بأنِ اغتَبْته أو سبَبْته، والفرق بين الغِيبة والسَّبِّ أن السَّبَّ مُواجهة والغِيبة مع الغَيبة، فذِكْرك أخاك بما يَكرَه إن كان غائِبًا فهي غِيبة، وإن كان حاضِرًا فهو سَبّ، فإنَّ التَّوْبة من هذا أن تَستَحِلَّه، فلو قلت: سُبَّني كما سبَبْتُك فلا يَصِحُّ؛ لأن هذا جِناية على نَفْسك، ولكن استَحِلَّه، وهذا إذا كان سبًّا؛ لأنَّه قد عَلِم بذلك.

فأمَّا إذا كان غَيْبة فهل تَستَحِلُّه تَذهَب إليه وتَقول: إني اغتَبْتك فاعذِرْني اسمَحْ لي؟

الجوابُ: قال بعض العُلَماء: نعَمْ! يَجِب أن تَذهَب إليه وتَقول: أنا اغتَبْتُك فاعذِرني، حُلَّني. وقال بعض أهل العِلْم: لا يَلزَم استِحْلاله بل يَكفِي أن تَستَغفِر له كما جاء في الحديث، وإن كان ضَعيفًا: "كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْته أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ" (٢) استَغفِر له وأَثنِ عليه بما هو أَهْله في الأماكِن التي اغتَبْته فيها، يَقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤].


(١) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٦٢٦).
(٢) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في زوائده رقم (١٠٨٠)، وابن أبي الدنيا في الصمت رقم (٢٩١)، والبيهقي في الدعوات الكبير رقم (٥٧٥)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>