للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا القولُ أَصَحُّ؛ لأنَّ هذا فيه البَراءة وعدَم التَّشويش؛ لأنه ربما لو ذهَبْت إليه تَقول: اغتَبْتك فحُلَّني، مَهْما أَتيت به من صِيغة الغِيبة قد لا يَقتَنِع بها، إذا قلت: إني قُلْت فيك: إنك بَخيل. قد يَقول: إنك قلت: بَخيل وجبانٌ. ربما يَقول له الشيطان هكذا، وَيأْبَى أن يُحلِّلك، فإذا كان لم يَعلَم فاحمَدِ الله على ذلك واستَغفِر له وأَثنِ عليه بما هو أَهْله في الأماكن التي كُنت اغتَبْته فيها، وبذلك تَسلَم من الإِثْم، هذه صِفة التَّخلِّي من الذَّنْب إذا كان في حَقِّ غير الله.

وهنا سُؤالٌ: بعض الناس يَكون عليه حقٌّ ماليٌّ لشخص، إمَّا سَرَقه، أو جَحَده، أو ما أَشبَه ذلك، ثُم يَتوب هذا الفاعِلُ، ويَذهَب إلى صاحِب الحقِّ، وَيقول: خُذْ حقَّكَ. فيَأبى صاحِب الحقِّ أن يَأخُذه، فماذا يَصنَع؟ وهذا يَرِد كثيرًا: يَكون صاحِب الحقِّ قد حمَل في نفسه على هذا الظالِمِ الذي ظلَمه، وَيأبى أن يَقبَل، فماذا يَصنَع؟ هل نَقول: إنه حينَئذٍ سقَط حقُّه وصحَّت تَوْبة المُعتَدي، وَيبقَى إن طلَب حقَّه مرَّة أخرى أُعطِيَ، وإن لم يَطلُب فإن المُعتَديَ بَرِئَ؟

نَقول: نُنزِّل هذه الحالَ على القواعِد الشرعية، فالقَواعِد الشرعية تَقتَضي أن هذا الذي عليه الحقُّ قد برِئَ؛ لأن الله يَقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وهذا ما يَسَعه! قدَّم الْحَقَّ لصاحبه، وقال: خُذْ. قال: لا، لا آخُذه، أنت اعتَدَيْت عليَّ في الأَوّل ولا أَقبَل منك، هذا الذي أَربى أن يَقبَله هو الذي أَخطَأ وجنَى؛ لأنه يَنبَغي للإنسان إذا اعتَذَر إليه أَخوه أن يَقبَل عُذْره، لكن هذا هو الذي جنَى الآنَ، فهذا الرجُلُ نَقول: أنت الآنَ برِئَت ذِمَّتُك، خلِّ الدراهِم عندَك إن جاء يومًا من الدَّهْر أَعطِها إيَّاه.

وإن مات: فهل يَلزَمه أن يُعطيَه الورَثة؟

<<  <   >  >>