للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوابُ: في هذا نظَر، وذلك أن الرجُل الذي اعتُدِيَ عليه لم يَقبَل هذا المالَ، ولم يَدخُل في مُلْكه، فإذا كان لم يَقبَله ولم يَدخُل في مُلْكه، فكيف يَنتَقِل إلى الورَثة؟ ! ومن شَرْط الإِرْث انتِقال المال عن المَوْروث، وهذا المَوْروثُ لم يَقبَل هذا المالَ، وقد يُقال: إن الأصل أنَّه مُلكه فيَلزَم الرَّدُّ إلى ورَثَته، وهذا الأخيرُ أحوطُ، لكن في وجوبه نظَر؛ لأنَّ الذي اعتَدى وأَراد أن يَرُدَّ، يَقول: أنا أَعطَيْت الرجُل وأبَى أن يَتملَّكه، فكيف يَنتَقِل إلى الورَثة؟ ولكن نَقول: الأحوَطُ والأَوْلى أن يَرُدَّه إلى الورَثة، ليَسلَم منه.

لكن لو فُرِض أنه لا ورَثةَ له، أو أن ورَثَته مجَهولون، فإن هذا التائِبَ قد أدَّى ما عليه.

الشَّرط الرابع: أن يَعزِم على "ألَّا يَعود إلى الذَّنْب"، أو "أن لا يَعود إلى الذَّنْب"، الأوَّل أو الثاني؟ الأوَّل: أن يَعزِم على ألَّا يَعود إلى الذَّنْب، أو الشرط ألَّا يَعود إلى الذَّنْب؛ الأوَّل، والفَرْق بينهما أننا إذا قلنا: الشرط ألَّا يَعود ثُم عاد بطَلَت التوبة الأُولى، وإذا قلنا: الشرط العَزْم على ألَّا يَعود، وقد عزَم ألَّا يَعود، ثُمَّ عاد، فالتوبة الأُولى تَبقَى صحيحة، وعليه أن يَتوب توبة ثانية للذَّنْب الجديد، فالشَّرْط هو: العَزْم ألَّا يَعود في المُستَقبَل، فإن عاد فعليه تَوبة أُخرى، وهكذا.

فإن قال قائِل: ألَيْس قد ثبَت في الصحيح أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَخَر: "أن رجُلًا أَذنَب ذَنْبًا فتابَ، ثُم أَذنَب فتابَ، ثُم أَذنَب فتابَ، ثُم قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: عَلِمَ عَبْدِي أنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ" (١)، فهل هذا


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِلُوْا كَلَامَ اللهِ} [الفتح: ١٥]، رقم (٧٥٠٧)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>