للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَعنِي أن الإنسان إذا تَكَرَّر منه الذَّنْب وهو يَستَغفِر يُغفَر له؟

فالجَوابُ: نعَمْ، مَهْما أَذنَب ثُم استَغْفَر يُغفَر له.

لكن لو قال قائِل: إن ظاهِر الحديث: "فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ" يَعنِي: فلْيَعْصِ الله!

قُلنا: لا يَستَقيم هذا؛ لأنه يُخالِف الأدِلَّة الكثيرة الدالَّة على أنه لا بُدَّ لكل ذَنْب من تَوْبة إلَّا طائِفة واحِدة من هذه الأُمَّةِ، همُ الذين لا يَحتاجون إلى تَوْبة من الذنب، وهم أهل بَدْر، فإنَّ الله اطَّلَع إليهم وقال: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ كَفَرْتُ لَكُمْ" (١).

فهَؤلاءِ القَومُ ثلاثُ مِئة وبِضعةَ عشَرَ رجُلًا، وهُمْ أَهْل بَدْر اطَّلَع الله عليهم فكافَأَهم مُكافَأَة لم تَحصُل لغَيْرهم، اطَّلَع عليهم فقال: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، هذه الحَسَنةُ العَظيمة مَحَت جميع ما يَعمَلونه من السَّيِّئات، ونفَعَت هذه الغَزوةُ لمَنْ غَزا، حتى حاطِب - رضي الله عنه - الذي كتَب بأَخْبار النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى قُرَيْش قُبَيْل غَزوة الفَتْح لمَّا عُثِر على ما صنَع، قال عمرُ - رضي الله عَنْهُ - للرسول - صلى الله عليه وسلم -: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدْ نَافَقَ. فعُمرُ - رضي الله عنه - شُجاع ليس عنده إلَّا السَّيْف، قال: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الله اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" (٢) فوقَعَت هذه السَّيِّئةُ العَظيمة من جُمْلة ما يُغفَر لأهل بَدْر؛ ولهذا كان أهل بَدْر أفضَلَ من أهل بَيْعة الرُّضوان، أفضَلُ لما حصَل فيه من النُّصْرة العَظيمة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا يُسمَّى يومُ بَدْر يومَ الفُرقان. قال: فأَهْل بَدْر.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب الجاسوس، رقم (٣٠٠٧)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر - رضي الله عنهم -، رقم (٢٤٩٤)، من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب الجاسوس، رقم (٣٠٠٧)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر - رضي الله عنهم -، رقم (٢٤٩٤)، من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>