الشَّرْط الخامِس: أن تَكون التوبة في الوقت الذي تُقبَل فيه التَّوْبة، وهو أن تَكون التَّوْبة قبل طلوع الشَّمْس من مَغرِبها، وقبل حُضور الأَجَل.
فالأوَّلُ عامٌّ لكل أحَد، فلا تَوبةَ لأَحَد إذا طلَعَت الشمس من مَغرِبها؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"(١)، وهذا يُؤيِّده قوله تعالى:{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: ١٥٨]، والمُراد ببَعْض الآياتِ: طُلوع الشَّمْس من مَغرِبها.
والثاني أن تَكُون قبل حُضور الأَجَل، فإذا حضَر الأَجَل لم تَنفَعِ التَّوْبة؛ لقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}[النساء: ١٨]، هذا ليس لهم تَوْبة، وتَطبيق هذا عمَليّا أنَّ فِرعونَ لمَّا أَدرَكه الغرَقُ قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠]، فقيل له:{آلْآنَ}؛ تُؤمِن {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: ٩١، ٩٢]، لا رَحمةً بكَ ولكِن {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}، وأمَّا رُوحُك فلا نَجاةَ لها، وإنَّما نجَّاه الله ببَدَنه؛ لأنه قد أَرعَب بني إسرائيلَ، ولا يَكادون يُصدِّقون بأنه هلَك حتى يُشاهِدوه فيَطمَئِنُّوا؛ فلهذا نجَّاه الله تعالى ببَدَنه؛ ليُشاهِدوه! .
فإن قال قائِل: هل يُشتَرَط ألَّا يَكون مُصِرًّا على ذَنْب آخرَ؟ يَعنِي: لنَفرِض أنه تاب من شُرْب الخَمْر، لكنه باقٍ على الزِّنا - والعِياذ بالله - فهل تَصحُّ تَوْبته من شُرْب الخَمْر؟
(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٩٩)، وأبو داود: كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت؟ ، رقم (٢٤٧٩)، والنسائي في الكبرى رقم (٨٦٥٨)، من حديث معاوية - رضي الله عنه -.