للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجوابُ: في هذا خِلاف، فمن العُلَماء مَن يَقول: لا تَصِحُّ التوبة من ذَنْب مع الإصرار على ذنب آخَرَ، ومنهم مَن قال: بل تَصِحُّ؛ لأنَّ كل ذَنْب له جُرْمه. ومنهم مَن قال: إذا كان الذَّنْب الذي أَصَرَّ عليه من جِنْس الذي تاب منه، فإن التوبة لا تَصِحُّ، كرجُل تاب من الزِّنا، لكنه يُطلِق بصَرَه في النظَر المُحرَّم، فإن توبَته من الزِّنا لا تَصِحُّ، أو رجُل تاب من النظَر المُحرَّم، ولكنه لم يَتُبْ من المَسِّ المُحرَّم، هذا أيضًا لا تُقبَل توبتُه.

ومن العُلماء مَن قال: تُقبَل مُطلَقًا، إذا تاب من ذَنْب تاب الله عليه من هذا الذَّنْب؛ لأن الله - عَزَّ وَجَلَّ - حكَمٌ عَدْل، ورحمتُه سبَقَت غضَبَه، وهذا الرجُلُ عِنده جِنايات مُتعدِّدة، تاب من واحِدة منها، فلْيَكُن تائِبًا؛ وهذا القولُ أصَحُّ، ولكن لا يُطلَق على هذا التائِبِ وصفُ التوبة المُطلَقة؛ لأن توبته هذه مُقيَّدة، يَعنِي: لا يَستحِقّ وصفَ التائِبين على الإطلاق، فلا يَدخُل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢]؛ لأنَّ هذا الرجُلَ لا يَصدُق عليه أنَّه تائِب على وَجهِ الإطلاق؛ لكنه تائِب من ذَنْب واقِع في ذَنْب آخرَ.

وهذا القولُ هو الذي تَجتَمِع فيه الأدِلَّة، فيمال: استِحْقاق الوصف المُطلَق فيمَن تاب من ذَنْب مع الإصرار على غيره لا يَكون، وأمَّا وَصْفه بتَوْبة مُقيَّدة فهذا صحيح، كالسرِقة فإنه إذا قُطِعت يدُه فلا بُدَّ من ردِّ المال إلى صاحِبه، نَقول: هذا بالنِّسبة لحقِّ الله سقَط في إقامة الحدِّ عليه، لكن لا بُدَّ من أن يُوصِل المال إلى صاحِبه.

فإن قال قائِل: مَن يَشتَرِك في الزِّنا؟

فالجوابُ: الواقِع أن الزِّنا يَشتَرِك فيه الفاعِل والمَفعول به، حتى المَفعول به يَتلذَّذُ ويَجِد شَهْوة، أمَّا إذا قلتا: بالإِكْراه فهذا صحيح أنه عُدوان، لا بُدَّ مِنِ استِحْلاله؛

<<  <   >  >>