للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإمَّا أن يَكون لَغْوًا فيَحمِلها ذلك على القيامِ بطاعة الله.

والصَّبْر على طاعة الله شاقٌّ من وَجْهين: من وَجْه إلزام النَّفْس بالقِيام به، ومن وَجْه تعَب البدَن بالقِيام به، فهنا عَناءان: الآنَ الأوَّل مع النَّفْس، والثاني مع الجوارِح؛ ولهذا كان هو أعلى أَقْسام الصَّبْر، مثال ذلك الصَّبرُ في الجِهاد، هذا صَبْر على طاعة الله، وهو أشَقُّ أنواع الطاعة التي يُصبَر عليها؛ ولهذا جعَلها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذُروة سَنام الإسلام؛ لأنَّه أشَقُّ ما يَكون.

الثاني: صَبْر عن مَعصية الله؛ يَعنِي: أن الإنسان قد يَهوَى المَعْصية، ولكن يَحبِس نفسه عنها، فهذا صَبْر عن مَعْصية الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويَتَضمَّن هذا الصَّبرُ حَبْس النَّفْس مع الكفِّ، ففيه عَناءٌ واحِد، وهو حَبْس النَّفْس عن المعصية، لكن ليس فيه تعَب بدَنيٌّ؛ إذ إنه كف بلا فِعْل، والكفُّ بلا فِعْل أَهوَنُ من الفِعْل؛ يَعنِي: ليس فيه مَشقَّة بدَنية، غاية ما فيه أن مُعاناة قلبية للصَّبْر عن هذه المَعصيةِ.

والقِسْم الثالِث: الصَّبْر على أقدار الله -عَزَّ وَجَلَّ- المُؤلمِة، هي التي لا تُلائِم النَّفْس إمَّا بوَفاة مَحبوب، وإمَّا بحُصول مَكروهٍ فيَحبِس الإنسان نَفْسه في هذا الأَمرِ، وهو أقلُّ أقسام الصَّبْر رُتبةً؛ لأنه يَأتِي بغير اختيار الإنسان. انتَبِه الصَّبْر على الطاعة باختيار الإنسان، وعن المَعصية باختِياره، لكن على الأقدار لا، ليس بمَلْكك أن تَمنَع ما قدَّر الله عليك من وَفاة محَبوب، أو حُصول مَكروهٍ؛ ولهذا قال بعضُ السلَف: عند حُلول المَصائِب إمَّا أن تَصبِر صَبْر الكِرام، وإمَّا أن تَسلوَ سَلوَ البَهائِم. وقِس نَفْسك إذ تَأتيك المُصيبة اليومَ أَكبَرَ من الجِبال وأَحرَّ من النِّيران، ثُم تَخِفُّ شيئا فشيئا حتى لا تَكاد تَذكُرها.

<<  <   >  >>