للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَنْ: إمَّا أن تَصبِر وتَحتَسِب، وإمَّا أن تَسكُت حتى لو تَسخَّطْت، فالمال إلى نِسيانها، وإما أن يَسلوَ الإنسان سَلوَ البَهائِم.

فإن قال قائِلٌ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا" (١) ما يَقَع في القَلْب أثناء المصائِب، وما أَشبَه ذلك هل هذا يُنافِي الصبر؟

فالجَوابُ: لا، الحُزْن على الشيء لا يُنافِي الصَّبْر، الذي يُنافيه أن يَقَع في قلبه التَّسخُّط على الله، وما يقَعُ فتَجِب مُدافَعته، وأن يَعلَم أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- حَكيم، وقد يُريد الله بالإنسان خيرًا إذا ابتَلاه، فإذا كان هجَم على قلبه فالواجِب أن يُدافِع، لكن لا أَعتَقِد أن مُؤمِنًا يَتَسخَّط على ربه، نعَمْ يَكرَه ما حصل، صحيح كل إنسان يَكرَه ما يَحصُل له من البَلاء، لكن كونه يَعتَقِد أن الله ظلَمَه، وأن هذا عُدوان من الله عليه، وما أَشبَهَ هذا لا أَظُنُّ أحَدًا يَفعَله.

فإن قال قائِلٌ: ما عَلامة الإنسان الذي لم يَبلُغ الصَّبْر؟ .

فالجَوابُ: إذا وجَد في نَفْسه التَّسخُّط، وفي قلبه التَّسخُّط.

وهذا القِسْمُ الثالث من أقسام الصبْر: الصبْر على أقدار الله -عَزَّ وَجَلَّ- المُؤلمِة؛ يَكون بالأمور الآتِية: حَبْس اللِّسان عن التَّسخُّط، لا تَسخَط تَقول: أَصابَني الله بكذا، ولم يُصِب فلانًا، أَصابَني بالفَقْر والناسُ أغنياءُ، أَصابَني بالمرَض والناسُ أصِحَّاءُ. وما أَشبَه ذلك ما يَقول هذا، لا يَقول: واوَيْلاه واثُبوراه وانقِطاع ظَهْراه. وما أَشبَه ذلك لا يَقول هذا؛ لأن هذا مُنافٍ للصَّبْر، الإخبار بما أَصاب الإنسانَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان، رقم (٦٦٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب، إذا لم تستقر، رقم (١٢٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>