للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مُصيبة دون التَّشكِّي، وقَعَ هذا من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ حيثُ قال: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ" (١) ولا حرَجَ، يَعنِي هناك فَرْق بين شخص يَتكلَّم بما أَصابَه تَسخُّطًا أو شِكاية لمخلوق، وبين شخص يُخبِر عمَّا أَصابه، فقَطْ مجُرَّد خبَر، والأعمال بالنِّيَّات.

الثاني: حَبْس الجوارِح عند المُصيبة عن فِعْل ما لا يَجوز وما يُنبِئ عن الغَضَب؛ مثل: شَقِّ الجُيوب، لَطْم الخُدود، نَتْف الشُّعور، وما أَشبَه ذلك. هذا أيضًا مُنافٍ للصَّبْر، ولهذا تَبرَّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من فاعِله فقال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ، وَلَطَمَ الخُدُودَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ" (٢).

الثالِثُ: وهو حَبْس القَلْب عن كراهة ما قَدَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا أَعظَمها وأَدَقُّها، قد يَرَى الإنسان الضعيف المَخلوق المَمْلوك المُدبَّر، قد يَرَى أن ربَّه ظلَمه - والعِياذُ بالله - دون أن يَتكلَّم ودون أن يَفعَل، لكن قَلْبه مَملوء على الله سُخْطًا، مِن السُّخْط ورُؤْيةِ أنَّ الله تعالى ظلَمه، أو ما أَشبَه ذلك. هذا يَجِب أيضا أن يَتخَلَّى القلب عنه، وهذا أَخطَرُ ما يَكون بالنِّسبة للصَّبْر على الأقدار، اتْلُ قولَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: ١١] {حَرْفٍ} يَعنِي: طرَفٍ، ليسَت عِبادةً راسِخة {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: ١١].

وهذا يَشمَل فِتْنة المَصائِب وفِتْنة الشُّبُهات، من الناس مَن يُؤمِن بالله واليوم


(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب قول المريض: إني وجع، رقم (٥٦٦٦)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، رقم (١٢٩٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، رقم (١٠٣)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>