للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} هنا الخُسْران: فواتُ الرِّبْح، و (هنا) اسمُ إشارة للمَكان، والمُراد به الزَّمان؛ ولهذا قال المفَسِّر: [في كل وقت] المَعنَى: خَسِر في ذلك الوقتِ المُبطِلون.

فإذا قال قائِل: ألَسْتُم تَقولون: إن (هنا) إشارة إلى المَكان؟

قُلنا: بلى، لكن قد تُستَعار إشارة للزَّمان. واللَّام في قوله: {هُنَالِكَ} للبُعْد، والكاف حَرْف خِطاب {الْمُبْطِلُونَ} أي: الذين وقَعوا في الباطِل؛ لأن القَضاء بالحَقِّ يَقتَضي زوال الباطِل، وإذا زال الباطِل خسِرَ أهله، والباطِل ضِدُّ الحَقِّ، وُيفسَّر في كل مَوضِع بحَسبه، فالباطِل في الكلام الخَبَريِّ هو الكذِب، والباطِل في الحُكْم الجَوْر، والباطِل في المُعامَلة الغِشُّ، وما أَشبَهَ ذلك.

المُهِمّ: أن الباطِل يُفسَّر في كل مَوْضِع بحَسبه.

وقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وهم خاسِرون في كلِّ وَقْت] احتِرازًا من الإشارة في قوله: {هُنَالِكَ}؛ لئَلَّا يَظُنَّ ظانٌّ أنهم خاسِرون حين نُزول العَذاب فقَطْ، مع أنهم خاسِرون كلَّ وقت، وقد يُقال: لا حاجةَ إلى ذلك - يَعنِي: لا حاجةَ إلى ما قال المفَسِّر - لأن المَقصود: وخَسِر هنالِكَ، أي: ظهَرَت خَسارتهم وبانَتْ؛ لأنه قبل أن يُؤتَوْا بالعَذاب ربما يَقول القائِل: إنَّهم ربِحوا، كما قال أبو سُفْيانَ في يوم أُحُد، قال: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، والحَرْب سِجالٌ (١). فظَنَّ أنه ربح في ذلك اليومِ، فالأَوْلى أن تَبقَى الآية على ظاهِرها، وألَّا يُستَدرَك القُرآن، فيُقال: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أَي: ظهَر خُسْرانهم وبانَ.

أمَّا خُسْرانهم قبل نُزول العَذاب فهو ليس ببَيِّن، إذ قد يَقول القائِل: إنهم


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، رقم (٣٠٣٩)، من حديث البراء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>