للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّسُل سحَرة مجَانينُ، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: ٥٢]، وإذا كانوا يَعتَقِدون بقُلوبهم، أو يَقولون بألسِنَتهم ما لا يَعتَقِدون من أن الرُّسُل سحَرة مَجانينُ فإنَّهم لا شَكَّ سيَجْعَلون ما عِندهم من العِلْم هو العِلْم الحَقيقيَّ فيَفرَحون به.

وعلى هذا فنَقول: الفرَح هنا فرَح بطَر واستِبْشار فيما يَظُنُّون أنهم على عِلْم أعلى من عِلْم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}، ويَعجَب الإنسان أحيانًا فيما يَذهَب إليه بعضُ العُلَماء من تَفسير الآياتِ أو الأحاديث، الآنَ لو قرَأْت هذه الآيةَ على إنسان عامِّيٍّ {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} فعلى أيِّ شيء يَتَنزَّل الضمير في قوله: {بِمَا عِنْدَهُمْ} عِند هذا العامِّيِّ؟

الجَوابُ: على الكُفَّار {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ} والإنسان يَفرَح بما عِندَه لا بما عِند غَيْره.

قوله: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {وَحَاقَ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [نَزَلَ]، لكِنها - أَعنِي: {حَاقَ} - ليسَتْ كـ (نَزَل) من كُلّ وَجْه؛ لأن (نزَل) تَكون بالخَيْر وبالشَّرِّ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ} هذا خير، لكن (حاقَ) لا تَأتِي إلَّا في الشَّرِّ، فلا يُقال: حاقَ به القُرآن، أو حاقَ عليه القُرآن. كما يقال: نزَلَ عليه. فـ (حاقَ) هنا بمَعنَى: (نزل)، لكنها لا تُستَعمَل إلَّا في نُزول الشَّرِّ، وهو شَرٌّ بالنِّسْبة لمَن نزَل به، وقد يَكون خيرًا بالنِّسْبة لغيره.

{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {مَا} فاعِل {حَاقَ}، و {كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يَعنِي: فيما سبَق؛ أي: أنهم لمَّا جاءَهُم بَأْس الله -عَزَّ وَجَلَّ- ونزَل بهم حاقَ

<<  <   >  >>