مَن يُجادِل فيه، وَيقول: ليس هذا من باب تَخويف العِباد، وأيُّ رابِطة بين هذا وبَيْن التخويف، وسبَبه طبيعيٌّ مَعلوم يُدرَك بالحِساب؟ ! فيُجادِل في شَرْع الله، وفي آيات الله، فتقول مثَلًا: لماذا كان كذا، وكان في مَوْضِع آخَرَ كذا وكذا؟ كقِصَّة المَعرِّيِّ الذي جادَل في كون اليَدِ تُقطَع في ربُع دِينار ودِيَتُها خَمسُ مِئة دِينار (١)، وكقول بعضِهم: لماذا يَنتَقِض الوُضوء بالريح من أسفَلُ، ولا يَنتَقِض بالرِّيح من أَعْلى؟ والريح من أَعْلى هو: الجُشاء، وما أَشبَه ذلك من المُجادلات في الآياتِ الشرعية! .
ومِنهم مَن يُجادِل في القُرآن، يَقول: القُرآن فيه تَناقُض! قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣]، وقال في آية أُخرى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء: ٤٢]، هذا تَناقُض! فيُجادِل.
فالمُهِمُّ: أن الجدَل يَكون في الآياتِ الشرعية الثابِتة في القُرآن والسُّنَّة، ويَكون أيضًا في الآيات الكونية، فيَنبَغي أن نُفسِّر الآياتِ بما هو أعَمُّ مِمَّا ذكَر المفَسِّر، فنَقول:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ} الكَوْنية أو الشَّرْعية {إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، وأمَّا المُؤمِنون فلا يُجادِلون، المُؤمِنون يَقولون:{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عمران: ٧]، ولا يُجادِلون، عرَفْنا ذلك من كَوْنه حَصَر المُجادَلة في الذين كفَروا.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مَكَّةَ] وهذا تَخْصيص آخَرُ، فالله عَزَّ وَجَلَّ يَقول:{إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} والمفَسِّر يَقول: من أهل مكَّةَ، سُبحانَ الله! القُرآن يُعَمِّم، ونحن نَخُصُّ، فهذا خطَأ وقُصور في التَّفْسير، فنَقول:{فِي آيَاتِ اللَّهِ} أعَمُّ من القُرآن، {إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} أعمُّ من أهل مكَّةَ، فالذي يُجادِل في آيات الله: الذين كفَروا من أهل مكَّةَ ومن غير أَهْل مكَّةَ، من أهل المَدينة، من أَهْل الطائِف، من أهل جُدَّةَ،