للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أهل القَصيم، مِن كل مَكان، كلُّهم يُجادِلون في آيات الله، إذا كانوا كُفَّارًا. فإن قال قائِل: كيف تَجمَع بين هذه الآيةِ وبين قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] فأمَرَ بالمُجادَلة؟ هنا أَمَر: {وَجَادِلْهُمْ} وهنا قال: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}؟

فالجوابُ: مجُادَلة الكُفَّار تَكون بالباطِل لإِبْطال الحَقِّ، أمَّا الذين آمَنوا فمُجادَلتهم تَكون لبيان الْحَقَّ. إِذَنِ: المُجادَلة هنا غيرُ المُجادَلة هناك.

قوله تعالى: {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} الفاء: للتَّفْريع على ما سبَق، والخِطاب في قوله: {فَلَا يَغْرُرْكَ} إمَّا للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه الذي نزَلَ عليه القُرآن، وإمَّا لعُموم المُخاطَبِين؛ لأن القُرآن نزَل للجميع، وأَوْلاهما الثاني؛ لأنَّ القاعِدة التَّفْسيرية عِندنا: أنه إذا دار الأَمْر بين كون المَعنَى عامًّا أو خاصًّا؛ فإنَّه يُحمَل على العامِّ؛ لأن الخاصَّ يَدخُل في العامِّ ولا عَكْسَ.

إِذَنْ: فلا يَغرُرْك أيُّها المُخاطَب، وأوَّل مَن يَدخُل في ذلك الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -، و {يَغرُرْكَ} يَعنِي: لا يَخدَعك، ولا تَغتَرَّ به.

وقوله تعالى: {تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} التَّقلُّب هو: التَّردُّد من شيء إلى شيء، ومنه تَقلُّب الإنسان في فِراشِه من جَنْب إلى جَنْب، المعنى: لا يَغُرك تَردُّدهم في البلاد يَمينًا وشِمالًا، وشَرْقًا وغَرْبًا، للتِّجارة ولغير التِّجارة.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} للمَعاش سالِمين فإن عاقِبَتهم النار]، ولكن لو قال: فإنَّ عاقِبَتهم البوارُ لكان أحسَنَ؛ لأنَّ الله تعالى ضرَبَ مثَلًا بمَن كان على حالهم بأنَّ الله أَهلَكَهم، فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} إلى آخِره.

<<  <   >  >>