للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، فأَمَر بالجِدال مع أنه في هذه الآيَةِ ذَمَّ الجِدال، وقال: إنه لا يُجادِل إلَّا الكُفَّار؟

فالجوابُ على هذا سَهْل: أن المُجادَلة التي أُمِرنا بها هي المُجادَلة لإِبْطال الباطِل، وإحقاق الْحَقِّ، أمَّا الكُفَّار فإنَّهم يُجادِلون لإِبْطال الحقِّ وإحقاق الباطِل .. عَكْس ما أُمِرنا به.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الله تعالى يُمِلي للكُفَّار وُيمهِلهم، ويُمكِّنهم من التَّقلُّب في البلاد حيث شاؤُوا؛ لقوله: {تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَحذيرُ المُؤمِن أن يَغتَرَّ بما أَنعَمَ الله به على هَؤلاء الكُفَّار من التَّقلُّب في الدُّنيا حيث شاؤُوا؛ لقوله: {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: بَيانُ سفَه أُولئِك الذين أُغْروا واغتَرُّوا بالكُفَّار، بيان سفَهِهم في العُقول وضَلالهم في الدِّين، فإنَّ بعض المُسلِمين ضُعَفاء الإيمان انبَهَروا ممَّا عليه الكُفَّار، وظنُّوا أن ما هم عليه من تَحلُّل الأخلاق، وفَساد العقائِد والكُفْر، هو الذي أَوجَب أن يَكونوا على هذا المُستَوى من التَّقدُّم المادِّيِّ، فانبَهَروا بذلك، وانفَلَتوا من الدِّين، وضيَّعوا مِشْيتهم ومِشْية الحمامة .. صاروا كالغُراب، يَقولون: إن الغُراب أعجَبَه مِشْيةُ الحمامة - ومَعروف الفَرْق بين مِشْية الحَمامة ومِشية الغُراب -، فقال: سأَمشِي مثل مِشْية الحمامة. فأَراد أن يَفعَل ولم يُدرِك شَيْئًا، أَراد أن يَعود إلى مِشْيته الأُولى، فعجَز أن يَعرِفها، فضَيَّع المِشْية الأُولى والثانية! .

وهؤلاء المَساكينُ الذين انبَهَروا بما عليه الكُفَّار من القوة المادِّيَّة، وما زُخرِف لهم من الدُّنيا، ضيَّعوا دِينَهم ولم يَصِلوا إلى ما عليه هؤلاءِ من الدنيا، وقد قال الله

<<  <   >  >>