للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى لنَبيِّه: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)} [طه: ١٣١].

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: أنَّه مَهما طال الأمَدُ بهَؤلاء الكُفَّار، فإن مَآلَهم الهَلاك والبَوار، وانظُروا الآنَ: كلُّ الكُفَّار السابِقين ذهَبوا إلى النار؛ لأنَّنا نَشهَد بالله أنَّ كلَّ كافِر في النار، فهَؤلاءِ الذين ماتوا على الكُفْر انتَقَلوا من الدنيا التي جُعِلت لهم جَنَّة إلى النار، والعِياذُ بالله.

وقد كان ابن حجَرٍ العَسقلانيِّ كان قاضِيَ القُضاة في مِصرَ - يَعنِي: كبير القُضاة - وكان إذا مشَى يَمْشِي على عرَبة تجرُّها الخُيول أو البِغال في مَوكِب، فمَرَّ ذات يوم بيَهودي سمَّان - يَعنِي: يَصنَع السَّمْن - أو زَيَّات - ومعلومٌ أنَّ الزَيَّات والسَّمَّان تَكون ثِيابُه مُلوَّثة بالزيت وأحواله سيِّئة - فأَشار إلى المَوكِب فوقَف، فقال لابن حجَرٍ: إنَّ نَبيَّكم يَقول: "إِن الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" (١)، وكيف يَتَّفِق هذا القولُ مع حالي وحالِك، فأنت الآنَ مُسلِم وفي هذه الرَّفاهية، وفي هذا المَوكِبِ العَظيم، وهو يَهودِيٌّ وتَعِسٌ، في زيت أو سَمْن يُلوِّث ثِيابه ويَدَيْه وكل شيء، فقال له ابنُ حجَرٍ رحمه الله تعالى: "نعَمْ، لكن ما أَنتَ فيه من البُؤْس هو جَنَّة بالنِّسبة لما ستَؤُول إليه إذا مِتَّ". لأنه إذا مات يَكون في النار، فهذا جَنَّة بالنِّسبة للنار، "وأمَّا أنا فنَعيمي هذا بالنِّسْبة للجَنَّة يُعتَبر سِجْنًا"؛ لأن نَعيم الجنَّة أعلى بكثير من هذا، فقال اليَهوديُّ: أَشهَد أن لا إلَهَ إلَّا الله، وأن محُمَّدًا رسول الله (٢)، سُبحانَ الله! تَبيَّن له الأمر بكلِمة بَسيطة.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٥٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) ذكر هذه القصة المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير (٣/ ٥٤٦).

<<  <   >  >>