للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأَقول: إن هَؤلاءِ الكُفَّارَ مَهما زُّينَت لهم الدُّنيا، فإنهم - والعِياذ بالله - سيَؤُولون إلى عَذاب، وكما نَعلَم جميعًا أنَّ الإنسان إذا آلَ إلى عَذاب بعد النَّعيم صار العَذاب عليه أشَدَّ، لكن لوِ انتَقَل من عَذاب إلى عَذاب صار أَهوَنَ، أمَّا من نعيم إلى عَذاب فصَعْبٌ جِدًّا، {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}.

إِذَنْ: هؤلاءِ الكُفَّارُ الذين يَذهَبون ويَجيئُون كل هؤلاءِ لا يَغُرَّنكم، لا سِيَّما إذا كان تَردُّدهم في البلاد استِكْبارًا في الأرض ومَكْر السَّيِّئ، وعُلوًّا على الخَلْق، وزعمًا منهم أنهم سيُدبِّرون الناس، وسيَسُنُّون نِظامًا عالَمِيًّا كما يَقولون، فإننا نَعلَم أن مَآلَهم الفَشَل إذا نحن صدَّقنا الله، إذا نحن صدَّقْنا الله فإن كَيْدَهم لا يَضُرُّنا: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥، ١٦]، يَعني: كيدًا أعظَمَ، ومَعلوم أنَّ الكَيْد الواقِع من الله أشَدُّ من الكَيْد الواقِع من البَشَر.

مسألة: بعض الناس يَقول: لا يَجوز للإنسان أن يَقول: إن الكُفَّار كلهم في النار، نَقول: الذي بلَغَته الدَّعوةُ نَشهَد أنه في النار، والذي لم تَبلُغه الدَّعوةُ لا نَشهَد له؟

فالجوابُ: لا، بل نَقول: كلُّ كافِر في النار، لكن مَن لم تَبلُغه الدَّعوةُ فلا نَجزِم له بجَنَّة ولا نار؛ لأنه لم يَصدُق عليه أنه كافِر إلى الآنَ، ونَقول: أَمْره إلى الله يوم القِيامة، وهذا بخِلاف الذي يَنتَسِب للإسلام، وفعَل ما يُكفِّر جاهِلًا فقد سبَقَ لنا القول في هذه المَسأَلةِ، وذكَرْنا لكم أن شَيْخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ لمَّا ناظَر الجَهْمية وبيَّن لهم الْحَقَّ، وأَصَرُّوا على ما هم عليه قال: "أَنَا أَعْلَمُ لَو أَنَّنِي لو قلتُ بما تَقولون لكنتُ كافِرًا، وأمَّا أنتُم فلَسْتُم كفَّارًا عندي لأَنَّكم مُتأَوِّلون" (١) هذا وهو يُناظِر الجَهْمية ويُبيِّن لهمُ الخقَّ، ذكَر هذا في كِتاب الاستِغاثة.


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (١/ ١٠).

<<  <   >  >>