للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا يَدُلُّ على مَسألة يَشتَدُّ فيها بعض الناس اليوم في مَسأَلة فِعْل ما يُكفِّر، حيث يُكفِّرون الناس مُطلَقًا بلا بَيِّنةٍ، والمَسأَلة هذه كما قُلْنا فيما سبَق خَطيرة، فالآنَ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ يَقول: أنا أَعلَم أنني لو قلتُ بقَوْلكم لكُنْت كافِرًا؛ لأني أَعلَمُ أن هذا خِلاف الحَقِّ، أمَّا أنتم فلَسْتم تَكفُرون عِندي لأَنَّكُم مُتأَوِّلون؛ وهُمْ جَهمية، مع أن إطلاق الكُفْر على الجهْمية عُمومًا جاء ذلك عن الإمام أحمدَ وغيرِه، وكما نقَلْتُ لكم أيضًا عن الشيخِ محُمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللَّهُ أنه قال: "إِنَّنا لا نُكَفِّر الذين اتَّخَذوا صنمًا على قَبْر البَدَويِّ وعبد القادِر؛ لجهْلهم وعدَم مَن يُنبِّههم" (١).

وقد كان كثيرٌ من الناس أو من طلَبة العِلْم يُفرِّقون بين الأصل والفَرْع، فيَقولون: الفَرْع يُعذَر فيه بالجهْل، والأَصْل لا يُعذَر، فهذا ليس بصحيح، أوَّلًا أن تَقسيم الدِّين إلى أصل وفَرْع يَقول شيخ الإسلام (٢): هذا بِدْعة، ليس في القُرآن ولا في السُّنَّة تَقسيم الدِّين إلى أَصْل وفَرْع، هانما حَدَث هذا من كلام المُتكلِّمين بعد القُرون المُفضَّلة، قسَّموا الدِّين إلى أَصْل وفَرْع، وقال: إن هذا التَّقسيم يَنتَقِض بأن الصلاة عندهم فَرْع، وهي من أصل الأصول، وبأن بعض المَسائِل التي فيها الخِلاف فيما يُسمُّونه أصولًا لا يُكفَّر المُخالِف فيه، كما تقدم في الصِّراط، وفي المِيزان، وفي عذاب القَبْر، وفي رُؤْية النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ربَّه، كل هذه مِمَّا يُسمُّونه أصولًا، ومع ذلك ففيها الخِلاف، وإن كان الخِلاف في الأصل لم يَرِد، لكن فُروع الأصول فيها الخِلاف، فهذه المَسائِلُ يَنبَغي لطالِب العِلْم أن يُحرِّر فيها القول قبل أن يَحكُم على عِباد الله بما لم يَجعَله الله له.

* * *


(١) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (١/ ١٠٤).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>